نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (25)

ولما كان من أعجب العجب مجادلتهم مع إقرارهم بما يلزمهم به قطعاً التسليم في أنه الواحد لا شريك له وأن له{[54124]} جميع صفات الكمال فله{[54125]} الحمد كله{[54126]} ، قال : { ولئن } أي يجادلون أو{[54127]} يقولون : بل نتبع آباءنا والحال أنهم إن { سألتهم من خلق السماوات } بأسرها { والأرض } وجميع{[54128]} ما فيها { ليقولن } {[54129]}ولما كان الأنسب للحكمة التي هي مطلع السورة الاقتصار على محل الحاجة ، لم يزد هنا على المسند{[54130]} إليه بخلاف الزخرف{[54131]} التي مبناها الإبانة ، فقال لافتاً القول عن{[54132]} العظمة إلى أعظم منها فقال : { الله } أي{[54133]} " {[54134]}المسمى بهذا الاسم الذي جمع مسماه بين الجلال والإكرام{[54135]} " فقد أقروا بأن كل ما أشركوا به بعض خلقه ومصنوع من مصنوعاته .

ولما كانوا يعتقدون أن شركاءهم تفعل لهم بعض الأفعال ، فلذلك كانوا يرجونهم ويخافونهم ، كما أن ذلك واضح في قصة عم أنس الصم وغيرها ، أمره صلى الله عليه وسلم بأن يعلمهم أنه لا خلق لغيره ولا أمر ، بل هو مبدع كل شيء في السماوات والأرض كما أبدعهما{[54136]} ، وأن من جملة ذلك مما يستحق به الحمد سبحانه قهرهم على تصديقه صلى الله عليه السلام بمثل{[54137]} هذا الإقرار وهم في غاية التكذيب ، فقال مستأنفاً{[54138]} : { قل الحمد } أي الإحاطة بجميع أوصاف الكمال { لله } أي الذي له الإحاطة الشاملة الكاملة من غير تقييد بخلق الخافقين ولا غيره " الأمر أعظم من مقالة قائل{[54139]} " كما أحاط بما تعلمونه من خلق السماوات والأرض ، فهو فاعل الأفعال كلها ، كما أنه خالق الذوات كلها ، ولا شريك له في شيء من الأمر ، كما أنه لا شريك له في شيء من الخلق .

ولما كانوا يظنون أن أصنامهم تصنع شيئاً كما قالت امرأة ذي النور الدوسي رضي الله عنه : هل{[54140]} يخشى على الصبية من ذي الشرى ، وكما قال قوم ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه لما سب آلهتهم : اتق{[54141]} الجذام اتق{[54142]} البرص ، وكما قال سادن العزى ، وكما قالت ثقيف في طاغيتهم ، حتى أنهم قالوا عندما سويت بالأرض ، والله ليغضبن{[54143]} الأساس ، حتى حمل ذلك المغيرة بن شعبة رضي الله عنه على أن حفر الأساس ، وكانوا إذا مستهم الضراء لا سيما في البحر تبرؤوا منها ، وأسندوا الأمر إلى من هو له كما {[54144]}هو مضمون التوحيد{[54145]} ، فكان ربما قال قائل استناداً{[54146]} إلى ذلك : إنهم ليعلمون ما أثبت بالتحميد ، قال : { بل أكثرهم لا يعلمون * } أي إن الله هو المتفرد بكل شيء كما أنه تفرد بخلق السماوات والأرض ، وأنه لا يكون شيء ، إلا بإذنه لأنهم لا يعملون بما يعلمون من ذلك ، وعلم لا يعمل به عدم ، بل العدم{[54147]} خير منه ، وكان {[54148]}القليل هم{[54149]} المقتصدون عند النجاة من الشدة{[54150]} كما سيأتي آنفاً ، أو{[54151]} يكون المعنى أنه لا علم لهم أصلاً إذ لو كان لهم علم لنفعهم في علمهم بالله ، أو في أنهم لا يقرون بتفرده سبحانه بالخلق والرزق ، فيكون ذلك موجباً لتناقضهم وملزماً{[54152]} لهم بالإقرار بصدقك في الحكم بوحدانيته على الإطلاق .


[54124]:تأخر في الأصل عن "الكمال" والترتيب من ظ وم ومد.
[54125]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: "و".
[54126]:زيد في الأصل: له، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[54127]:في ظ "و".
[54128]:من م ومد، وفي الأصل وظ: جمع.
[54129]:العبارة من هنا إلى "أعظم منها فقال" سقطت من م.
[54130]:من ظ ومد، وفي الأصل: المستند.
[54131]:من ظ ومد، وفي الأصل: الزجر، وراجع من الزخرف آية 9.
[54132]:من ظ ومد، وفي الأصل: إلى.
[54133]:زيد من ظ ومد.
[54134]:سقط ما بين الرقمين من م.
[54135]:سقط ما بين الرقمين من م.
[54136]:في ظ ومد: ابتدعهما.
[54137]:زيد من ظ وم ومد.
[54138]:سقط من م.
[54139]:العبارة من "أي الذي" في م ومن "من غير" في ظ ساقطة إلى هنا.
[54140]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بل.
[54141]:من مد، وفي الأصل وظ وم: اتقى.
[54142]:من مد، وفي الأصل وظ وم: اتقى.
[54143]:من م ومد، وفي الأصل وظ: ليقضن.
[54144]:العبارة من هنا إلى "بالتحميد" ساقطة من ظ ومد.
[54145]:في م: التحميد.
[54146]:من م، وفي الأصل: إسنادا.
[54147]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: العلم.
[54148]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: القيل هو ـ كذا.
[54149]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: القيل هو ـ كذا.
[54150]:زيدت الواو في ظ.
[54151]:في ظ ومد "و".
[54152]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ملزوما.