تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ} (100)

لما توعدهم ووبخهم عطف برحمته وجوده وإحسانه وحذر عباده المؤمنين منهم لئلا يمكروا بهم من حيث لا يشعرون ، فقال : { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } وذلك لحسدهم وبغيهم عليكم ، وشدة حرصهم على ردكم عن دينكم ، كما قال تعالى : { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ} (100)

وبعد أن بين - سبحانه - فى هاتين الآيتين أن اليهود قد جمعوا الخستين ضلال أنفسهم ، ثم محاولتهم تضليل غيرهم ، تركهم مؤقتا فى طغيانهم يعمهون ، ووجه نداء إلى المؤمنين يحذرهم فيه من دسائس اليهود وكيدهم ، وينهاهم عن الركون إليهم ، والاستماع إلى مكرهم فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمنوا إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } .

والمعنى : إنكم أيها المؤمنون إن استمعتم إلى ما يلقيه بعض أهل الكتاب بينكم من دسائس ولنتم لهم ، لا يكتفون بإيقاع العداوة بينكم كما فى الجاهلية ، بل يتجاوزون ذلك إلى محاولتهم إعادتكم إلى وثنيتكم القديمة وكفركم بالله بعد إيمانكم .

وقد خاطب الله المؤمنين بذاته فى هذه الآية بعد أن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يخاطب أهل الكتاب فى الآيتين السابقتين ، إظهارا لجلالة قدرهم ، وأشعارا بأنهم الأحقاء بالمخاطبة من الله - تعالى - .

وناداهم بصفة الإيمان لتحريك حرارة العقيدة فى قلوبهم وتوجيه عقولهم إلى ما يستدعيه الإيمان من فطنة ويقظة فالمؤمن ليس خبا ولكن لاخب لا يخدعه .

وفى التعبير " بأن " فى قوله : { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً } إشارة إلى أن طاعتهم لليهود ليست متوقعة ، لأن إيمانهم يمنعهم من ذلك .

ووصف - سبحانه - الذين يحاولون الوقيعة بين المؤمنين بأنهم فريق من الذين أوتوا الكتاب ، إنصافا لمن لم يفعل ذلك منهم .

ونعتهم بأنهم { أُوتُواْ الكتاب } للإشعار بأن تضليلهم ، متعمد وبأن تآمرهم على المؤمنين مقصود ، فهم أهل كتاب وعلم ، ولكنهم استعملوا عملهم فى الشرور والآثام .

وقوله : { يَرُدُّوكُم } أصل الرد الصرف والإرجاع ، إلا أنه هنا مستعار لتغير الحال بعد المخالطة فيفيد معنى التصيير كقول الشاعر :

فرد شعورهن السود بيضاً . . . ورد وجوههن البيض سوداً

أى : يصيروكم بعد إيمانكم كافرين : والكاف مفعوله الأول وكافرين مفعوله الثاني

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى آية آخرى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحق }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ} (100)

{ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدثون ، فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فغاظه تألفهم واجتماعهم فأمر شابا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بعاث وينشدهم بعض ما قيل فيه ، وكان الظفر في ذلك اليوم للأوس ، ففعل فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا السلاح السلاح ، واجتمع مع القبيلتين خلق عظيم ، فتوجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال " أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بين قلوبكم " فعلموا أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضا وانصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإنما خاطبهم الله بنفسه بعدما أمر الرسول بأن يخاطب أهل الكتاب إظهارا لجلالة قدرهم ، وإشعارا بأنهم هم الأحقاء بأن يخاطبهم الله ويكلمهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ} (100)

الخطاب بقوله : { يا أيها الذين آمنوا } عام في المؤمنين ، والإشارة بذلك - وقت نزوله - إلى الأوس والخزرج بسبب نائرة{[3371]} شاس بن قيس ، و «الفريق » -الجماعة من الناس والمراد بها هنا الأحبار والرؤوس ، و { يردوكم } معناه : بالإضلال والتشكيك والمخادعة وإظهار الغش في معرض النصح{[3372]} .


[3371]:- نأرت نائرة في الناس نأرا: هاجت هائجة.
[3372]:- في قوله تعالى: {يردوكم بعد إيمانكم كافرين} انتصب [كافرين] على أنه مفعول ثان للفعل [يردّ] لأنها هنا بمعنى [صير] كقول الشاعر: فردّ شعورهن السود بيضا وردّ وجوههن البيض سودا وهو أظهر من قول من قال: إنه منصوب على الحال.