وقوله - تعالى - : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ . ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } ردع وزجر عن الانشغال عن طاعة الله ، وعن التكاثر بالأموال والأولاد .
وكرر لفظ " كلا " ثلاث مرات فى هذه السورة ، لتأكيد هذا الزجر والردع عن كل ما يشغل الإِنسان عن وجوه الخير والبر .
والتعبير بقوله : { سَوْفَ } لزيادة الزجر ، ولتحقيق حصول العلم ، وحذف مفعول { تَعْلَمُونَ } لظهوره من المقام . أي : اتركوا التشاغل بالدنيا والتفاخر بالأموال ، فإنكم إن بقيتم على ذلك بدون توبة صادقة ، فسوف تعرفون سوء عاقبة ذلك معرفة لا يخامرهها شك ، ولا يفارقها ريب .
و{ سوف } لتحقيق حصول العلم . وحدف مفعول { تعلمون } لظهور أن المراد : تعلمون سوء مَغَبَّة لهوكم بالتكاثر عن قبول دعوة الإِسلام .
وأكد الزجر والوعيد بقوله : { ثم كلا سوف تعلمون } فعطف عطفاً لفظيّاً بحرف التراخي أيضاً للإِشارة إلى تراخي رتبة هذا الزجر والوعيد عن رتبة الزجر والوعيد الذي قبله ، فهذا زجر ووعيد مماثل للأول لكن عطفه بحرف { ثم } اقتضى كونه أقوى من الأول لأنه أفاد تحقيق الأول وتهويله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أوعدهم الله عز وجل ، فقال : { كلا سوف تعلمون } هذا وعيد ما نحن فاعلون بذلك إذا نزل بكم الموت . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره بقوله : كلا : ما هكذا ينبغي أن تفعلوا ، أن يُلْهِيكم التكاثر .
وقوله : { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } يقول جلّ ثناؤه : سوف تعلمون إذا زرتم المقابر ، أيها الذين ألهاهم التكاثر ، غِبّ فعلكم ، واشتغالكم بالتكاثر في الدنيا عن طاعة الله ربكم . ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم : { كلا } بمعنى النفي والتعطيل ، وقال بعضهم : معنى قوله : { كلا } أي حقا . فإن كان على الأول ، فكأنه قال : ليس كما حسبتم ، وتوهمتم ، وقدرتم عند أنفسكم ، وتعلمون ذلك إذا نزل بكم العذاب ، وهو على الابتداء . وإن كان على معنى حقا ، فكأنه قال : ستعلمون أنه ليس كما قدرتم عند أنفسكم . وكل ذلك يرجع إلى الوجوه التي وصفنا : أنكم ستعلمون غدا حقا أن الذي ألهاكم ، وشغلكم عن توحيد الله تعالى ، أو التفكر في حجج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو الإيمان بالبعث ، كان عبثا باطلا ، وأنه كان من الواجب عليكم أن تؤمنوا بالله ورسوله ، وتنظروا في حجج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتؤمنوا بالبعث . وفائدة التكرار بما جرى من العادة في تكرار عند الوعيد ، وعند الإياس أو الرجاء ، نحو قولهم : الويل الويل ، وقولهم : بخ بخ ، وغير ذلك . فكذلك هذا . ومنهم من حمل كل لفظة من ذلك على تأويل على حدة : إن قوله تعالى { كلا سوف تعلمون } عند الموت عند ما ترون العذاب . إن الأمر ليس كما حسبتم ، وتعلمون في يوم البعث أنه حق يقين . ...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
هذا وعيد وتهديد ، ويحتمل أن يكون تكراره على وجه التأكيد والتغليظ . ويحتمل أن يعدل به عن التأكيد ، فيكون فيه وجهان : أحدهما : كلا سوف تعلمون عند المعاينة أن ما دعوتكم إليه حق ، ثم كلا سوف تعلمون عند البعث أن ما وعدتكم صدق . الثاني : كلا سوف تعلمون عند النشور أنكم مبعوثون ، ثم كلا سوف تعلمون في القيامة أنكم معذَّبون . ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه ارتدعوا وانزجروا { سوف تعلمون } في القبر { ثم كلا سوف تعلمون } بعد الموت ... وقيل : إنه يدل على عذاب القبر . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{ كَلاَّ } ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه ، ولا يهتم بدينه ، { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } إنذار ليخافوا فيتنبهوا من غفلتهم . ...
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
قيل : تأكيد لحصول العلم . كقوله : { كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون } [ النبأ : 4 . 5 ] . وقيل : ليس تأكيدا ؛ بل العلم الأول عند المعاينة ونزول الموت ، والعلم الثاني في القبر ، هذا قول الحسن ومقاتل ، ورواه عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه . ويدل على صحة هذا القول عدة أوجه :
أحدها : أن الفائدة الجديدة والتأسيس هو الأصل ، وقد أمكن اعتباره ، مع فخامة المعنى وجلالته ، وعدم الإخلال بالفصاحة .
الثاني: توسط «ثم » بين العلمين، وهي مؤذنة بتراخي ما بين المرتبتين زمانا وخطرا .
الثالث : أن هذا القول مطابق للواقع ، فإن المحتضر يعلم عند المعاينة حقيقة ما كان عليه ، ثم يعلم في القبر وما بعده ذلك علما يقينيا ، هو فوق العلم الأول . الرابع : أن عليا بن أبى طالب رضي الله عنه وغيره من السلف فهموا من الآية عذاب القبر . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ كلا } ، أي ارتدعوا أتم ردع ، وانزجروا أعظم زجر ، عن الاشتغال بما لا يجدي ، فإنه ليس الأمر كما تظنون من أن الفخر في المكاثرة بالأعراض الدنيوية ، ولم تخلقوا لذلك ، إنما خلقتم لأمر عظيم ....{ سوف } أي بعد مهلة طويلة يتذكر فيها من تذكر { تعلمون } أي يتجدد لكم العلم بوعد لا خلف فيه بما أنتم عليه من الخطأ عند معاينة ما يكشفه الموت ، ويجر حزنه الفوت ، من عاقبة ذلك ووباله . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
و{ سوف } لتحقيق حصول العلم . وحدف مفعول { تعلمون } لظهور أن المراد : تعلمون سوء مَغَبَّة لهوكم بالتكاثر عن قبول دعوة الإِسلام . وأكد الزجر والوعيد بقوله : { ثم كلا سوف تعلمون } فعطف عطفاً لفظيّاً بحرف التراخي أيضاً للإِشارة إلى تراخي رتبة هذا الزجر والوعيد عن رتبة الزجر والوعيد الذي قبله ، فهذا زجر ووعيد مماثل للأول لكن عطفه بحرف { ثم } اقتضى كونه أقوى من الأول لأنه أفاد تحقيق الأول وتهويله...
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
وقد قدمنا مراتب العلم الثلاث : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين . فالعلم : ما كان عن دلائل . وعين اليقين : ما كان عن مشاهدة . وحق اليقين : ما كان عن ملابسة ومخالطة ، كما يحصل العلم بالكعبة ، وجهتها فهو علم اليقين ، فإذا رآها فهو عين اليقين بوجودها ، فإذا دخلها وكان في جوفها فهو حق اليقين بوجودها . ......
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
هذا وعيد مضاعف من الله تعالى للغافلين عن آخرتهم ، الشاكين في بعثهم وحسابهم . ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.