مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (3)

أما قوله تعالى : { كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون } فهو يتصل بما قبله وبما بعده أما الأول ، فعلى وجه الرد والتكذيب أي ليس الأمر كما يتوهمه هؤلاء من أن السعادة الحقيقية بكثرة العدد والأولاد ، وأما اتصاله بما بعده ، فعلى معنى القسم أي حقا سوف تعلمون لكن حين يصير الفاسق تائبا ، والكافر مسلما ، والحريص زاهدا ، ومنه قول الحسن : لا يغرنك كثرة من ترى حولك فإنك تموت وحدك ، وتحاسب وحدك ، وتقريره : { يوم يفر المرء } و{ يأتينا فردا } و{ لقد جئتمونا فرادى } إلى أن قال : { وتركتم ما خولناكم } وهذا يمنعك عن التكاثر ، وذكروا في التكوير وجوها ( أحدها ) : أنه للتأكيد ، وأنه وعيد بعد وعيد كما تقول : للمنصوح أقول لك ، ثم أقول لك لا تفعل ( وثانيها ) : أن الأول عند الموت حيث يقال له : لا بشرى والثاني في سؤال القبر : من ربك ؟ والثالث عند النشور حين ينادي المنادي ، فلأن شقى شقاوة لا سعادة بعدها أبدا وحين يقال : { وامتازوا اليوم } ( وثالثها ) : عن الضحاك سوف تعلمون ، أيها الكفار

{ ثم كلا سوف تعلمون } أيها المؤمنون ، وكان يقرؤها كذلك ، فالأول وعيد والثاني وعد ( ورابعها ) : أن كل أحد يعلم قبح الظلم والكذب وحسن العدل والصدق لكن لا يعرف قدر آثارها ونتائجها ، ثم إنه تعالى يقول : سوف تعلم العلم المفضل لكن التفصيل يحتمل الزائد فمهما حصلت زيادة لذة ، ازداد علما ، وكذا في جانب العقوبة فقسم ذلك على الأحوال ، فعند المعاينة يزداد ، ثم عند البعث ، ثم عند الحساب ، ثم عند دخول الجنة والنار ، فلذلك وقع التكرير ( وخامسها ) : أن إحدى الحالتين عذاب القبر والأخرى عذاب القيامة ، كما روي عن ذر أنه قال : كنت أشك في عذاب القبر ، حتى سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : إن هذه الآية تدل على عذاب القبر ، وإنما قال : { ثم } لأن بين العالمين والحياتين موتا .