تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (17)

ثم بين أن الأسباب كلها لا تغني عن العبد شيئًا إذا أراده اللّه بسوء ، فقال : { قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ } أي : يمنعكم { من اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا } أي : شرًا ، { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } فإنه هو المعطي المانع ، الضار النافع ، الذي لا يأتي بالخير إلا هو ، ولا يدفع السوء إلا هو .

{ وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا } يتولاهم ، فيجلب لهم النفع{[2]} { وَلَا نَصِيرًا } أي ينصرهم ، فيدفع عنهم المضار .

فَلْيَمْتَثِلُوا طاعة المنفرد بالأمور كلها ، الذي نفذت مشيئته ، ومضى قدره ، ولم ينفع مع ترك ولايته ونصرته ، وَلِيٌّ ولا ناصر .


[2]:- في ب: وأسقامها.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (17)

ثم أمر الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرعهم بحجة أخرى لا يستطيعون الرد عليها ، فقال : { قُلْ مَن ذَا الذي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سواءا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } .

أى : قبل - أيها الرسول - لهؤلاء الجاهلين : من هذا الذى يملك أن يدفع ما يريده الله - تعالى - بكم من خير أو شر ، ومن نعمة أو نقمة ، ومن موت أو حياة .

إن أحداً لا يستطيع أن يمنع قضاء الله عنكم . فالاستفهام للإِنكار والنفى .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف جعلت الرحمة قرينة السوء فى العصمة ، ولا عصمة إلا من السوء ؟

قلت : معناه ، أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة ، فاختصر الكلام وأجرى مجرى قول : " متقلدا سيفا ورمحا " - أى : " متقلدا سيفا وحاملا رمحا " .

وقوله - تعالى - : { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } معطوف على ما قبله . أى : لا يجدون من يعصمهم مما يرديه الله - تعالى - بهم ، ولا يجدون من دونه - سبحانه - وليا ينفعهم ، أو نصيرا ينصرهم ، إذ هو وحده - سبحانه - الناصر والمغيث والمجير .

قال - تعالى - : { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ العزيز الحكيم }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (17)

ثم قال : { قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ } أي : يمنعكم ، { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا } أي : ليس لهم ولا لغيرهم من دون الله مجير ولا مغيث{[23252]} .


[23252]:- في ت ، ف ، أ: "من دون الله وليًا مجيرًا مغيثًا".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (17)

{ قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة } أي أو يصيبكم بسوء أن أراد بكم رحمة فاختصر الكلام كما في قوله :

*** متقلدا سيفا ورمحا ***

أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع . { ولا يجدون لهم من دون الله وليا } ينفعهم . { ولا نصيرا } يدفع الضر عنهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (17)

ثم وقفهم على عاصم ن الله يسندون إليه ، ثم حكم بأنهم لا يجدون ذلك ولا ولي ولا نصير من الله عز وجل ، وقرأت فرقة «يمتعون » بالياء ، وقرأت فرقة «تمتعون » بالتاء على المخاطبة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا} (17)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قل من ذا الذي يعصمكم من الله} يعني يمنعكم من الله {إن أراد بكم سوءا} يعني الهزيمة {أو أراد بكم رحمة} يعني خيرا وهو النصر، يقول: من يقدر على دفع السوء وصنيع الخير، نظيرها في الفتح: {قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا} [الفتح:11].

{ولا يجدون لهم من دون الله وليا} يعني قريبا فينفعهم {ولا نصيرا} يعني مانعا يمنعهم من الهزيمة، إن أراد بكم سواء أو أراد بكم رحمة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله "قُلْ مَنْ ذَا الّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللّهِ إنْ أرَادَ بِكُمْ سُوءا أوْ أرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً "يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء الذين يستأذنونك ويقولون: إن بيوتنا عورة هربا من القتل: من ذا الذي يمنعكم من الله إن هو أراد بكم سوءا في أنفسكم، من قتل أو بلاء أو غير ذلك، أو عافية وسلامة؟ وهل ما يكون بكم في أنفسكم من سوء أو رحمة إلاّ من قِبَله؟...

وقوله: "وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيّا وَلا نَصِيرا" يقول تعالى ذكره: ولا يجد هؤلاء المنافقون إن أراد الله بهم سوءا في أنفسهم وأموالهم من دون الله وليا يليهم بالكفاية ولا نصيرا ينصرهم من الله فيدفع عنهم ما أراد الله بهم من سوء ذلك.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

من الذي يحققُ لكم من دونه مَرْجُوًّا؟ ومن الذي يصرف عنكم دونه عَدُوًّا؟

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

و {من ذا}: استفهام، ركبت ذا مع من وفيه معنى النفي، أي لا أحد يعصمكم من الله.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كانوا لما عندهم من التقيد بالوهم، والدوران مع الحس دأب البهم، جديرين بأن يقولوا: بلى ينفعنا لأنا طالما رأينا من هرب فسلم، ومن ثبت فاصطلم، أمره بالجواب عن هذا بقوله: {قل} أي لهم منكراً عليهم: {من ذا الذي يعصمكم من الله} المحيط بكل شيء قدرة وعلماً قبل الفرار وفي حال الفرار وبعده، {إن أراد بكم سوءاً} فأناخ بكم نقمه فيرد ذلك السوء عنكم {أو} يهينكم ويقبح جانبكم ويمتهنه بأن يصيبكم بسوء إن {أراد بكم رحمة} فأفادكم نعمه، والرحمة النفع سماه بها لأنه أثرها، قيسوا هذا المعنى على مقاييس عقولكم معتبرين له بما وجدتم من الشقين في جميع أعماركم، هل احترزتم عن سوء إرادة فنفعكم الاحتراز، أو اجتهد غيره في منعكم رحمة منه فتم له أمره أو أوقع الله بكم شيئاً من ذلك فقدر أحد مع بذل الجهد على كشفه بدون إذنه؟

ولما كانوا أجمد الناس، أشار سبحانه بكونهم لم يبادروهم بأنفسهم الجواب، بما يدل على المتاب إلى جمودهم، بالعطف على ما علم أن تقديره جواباً من كل ذي بصيرة: لا يعصمهم أحد من دونه من شيء من ذلك، ولا يصيبهم بشيء منه، فقال: {ولا يجدون} أي في وقت من الأوقات {لهم} ونبه على أنه لا شيء إلا وهو في قبضته سبحانه، وأنه لا إحاطة لشيء غيره بشيء حتى ولا بالرتب التي دون رتبته بقوله، مثبتاً الجار: {من دون الله} وعبر بالاسم العلم إشارة إلى إحاطته بكل وصف جميل، فمن أين يكون لغيره الإلمام بشيء منها إلا بإذنه {ولياً} يواليهم فينفعهم بنوع نفع {ولا نصيراً} ينصرهم من أمره فيرد ما أراده بهم من السوء عنهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لأن قدرة الله وإرادته محيطة بالمخلوقات، فمتى شاء عطّل تأثير الأسباب أو عرقلها بالموانع، فإن يشأ شرّاً حرم الانتفاع بالأسباب أو الاتقاء بالموانع، فربما أتت الرزايا من وجوه الفوائد، ومتى شاء خيراً خاصاً بأحد، لطف له بتمهيد الأسباب وتيسيرها حتى يلاقي من التيسير ما لم يكن مترقباً، ومتى لم تتعلق مشيئته بخصوص أرْسَل الأحوال في مهيعها وخلّى بين الناس وبين ما سَببه في أحوال الكائنات فنال كل أحد نصيباً على حسب فطْنته ومقدرته واهتدائه، فأنتم إذا عصيتم الله ورسوله وخذلتم المؤمنين تتعرضون لإرادته بكم السوء فلا عاصم لكم من مراده، فالاستفهام إنكاري في معنى النفي لاعتقادهم أن الحيلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفعهم وأن الفرار يعصمهم من الموت إن كان قتال.

والعصمة: الوقاية والمنع مما يكرهه المعصوم، والكلام موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس هو من قبيل الالتفات؛ والمقصود لازم الخبر وهو إعلام النبي عليه الصلاة والسلام ببطلان تحيلاتهم وأنهم لا يجدون نصيراً غير الله وقد حرمهم الله النصر، لأنهم لم يعقدوا ضمائرهم على نصر دينه ورسوله.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ألم تعلموا أنّ كلّ مصائركم بيد الله، ولن تقدروا أن تفرّوا من حدود حكومة الله وقدرته ومشيئته بناءً على هذا، فإنّكم إذا علمتم أنّ كلّ مقدّراتكم بيده سبحانه، فأطيعوا أمره في الجهاد الذي هو أساس العزّة والكرامة والشموخ في الدنيا وعند الله، وحتّى إذا تقرّر أن تنالوا وسام الشهادة فعليكم أن تستقبلوا ذلك برحابة صدر.