تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ} (110)

ثم خوفوا ضعفاء الأحلام وسفهاء العقول ، بأنه يُرِيدُ موسى بفعله هذا أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أي : يريد أن يجليكم{[323]} عن أوطانكم فَمَاذَا تَأْمُرُونَ أي : إنهم تشاوروا فيما بينهم ما يفعلون بموسى ، وما يندفع به ضرره بزعمهم عنهم ، فإن ما جاء به إن لم يقابل بما يبطله ويدحضه ، وإلا دخل في عقول أكثر الناس .


[323]:- كذا في ب، وفي أ: يريد ليجليكم من.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ} (110)

ولم يكتفوا بهذا القول الباطل ، بل أخذوا يثيرون الناس على موسى ، ويهولون لهم الأمر ليقفوا في وجهه فقالوا { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } .

أى : يريد هذا الساحر أن يسلب منكم ملككم ، وأن يصبح هو ملكا على مصر ، فماذا تأمرون لإتقاء هذا الخطر الداهم ؟ وبماذا تشيرون في أمره ؟ فهو من الأمر بمعنى المشاورة .

يقال : آمرته فآمرنى . أى : شاورته فأشار على .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت قد عزى هذا الكلام إلى فرعون في سورة الشعراء حيث قال : { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ } أى قال فرعون للملأ حوله { إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } ؟ وهنا عزى إلى الملأ فكيف الجمع ، قلت : قد قاله هو وقالوه هم فحكى قوله هناك وقولهم ههنا . أو قاله ابتداء فتلقفه منه الملأ فقالوه لأعقابهم . أو قالوه عنه للناس عن طريق التبليغ كما يفعل الملوك ، يرى الواحد منهم الرأى فيكلم به من يليه من الخاصة ، ثم تبلغه الخاصة العامة . . وقولهم : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } من كلام فرعون ، قاله للملأ لما قالوا له : إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم " كأنه قيل : فماذا تأمرون ؟ فأجابوه : ارجه وأخاه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ} (110)

أي : قال الملأ - وهم الجمهور والسادة من قوم فرعون - موافقين لقول فرعون فيه ، بعد ما رجع إليه رَوْعه ، واستقر على سرير مملكته{[12002]} بعد ذلك ، قال للملأ حوله - : { إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } فوافقوه وقالوا كمقالته ، وتشاوروا في أمره ، وماذا يصنعون في أمره ، وكيف تكون حيلتهم في إطفاء نوره وإخماد كلمته ، وظهور كذبه وافترائهم ، وتخوفوا من [ معرفته ]{[12003]} أن يستميل{[12004]} الناس بسحره فيما يعتقدون{[12005]} فيكون ذلك سببا لظهوره عليهم ، وإخراجه إياهم من أرضهم والذي خافوا منه وقعوا فيه ، كما قال تعالى : { وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } [ القصص : 6 ]


[12002]:في د: "ملكه".
[12003]:زيادة من ك، م، أ.
[12004]:في د: "يميل".
[12005]:في ك: "يعتقدوه".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ} (110)

يريد أن يخرجكم من أرضكم أرض مصر معشر القبط السحرة . وقال فرعون للملإ : فَمَاذَا تَأْمُرُونَ يقول : فأيّ شيء تأمرون أن نفعل في أمره ، بأيّ شيء تشيرون فيه . وقيل : فماذا تأمرون والخبر بذلك عن فرعون ، ولم يذكر فرعون ، وقلّما يجيء مثل ذلك في الكلام ، وذلك نظير قوله : قالَتِ امْرأةُ العَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ الحَقّ أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنّهُ لَمنَ الصّادِقينَ ذلكَ لِيَعْلَمُ أنْي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ فقيلَ ذلكَ لَيْعَلَم أنّي لم أَخُنْهُ بالغَيْبِ من قول يوسف ، ولم يذكر يوسف . ومن ذلك أن يقول : قلت لزيد : قم فإني قائم ، وهو يريد : فقال زيد : إني قائم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ} (110)

إنما قالوا هذا الكلام على وجه الشورى مع فرعون واستنباط الاعتذار لأنفسهم عن قيام حجة موسى في وجوههم فاعتلوا لأنفسهم بعضهم لبعض بأن موسى إنما هو ساحر عليم بالسحر أظهر لهم ما لا عهد لهم بمثله من أعمال السحرة ، وهذا القول قد أعرب عن رأي جميع أهل مجلس فرعون ، ففرعون كان مشاركاً لهم في هذا لأن القرآن حكى عن فرعون في غير هذه السورة أنه قال للملإ حوله { إن هذا لساحر عليم } ، وهذه المعذرة قد انتحلوها وتواطأوا عليها تبعوا فيها ملكهم أو تبعهم فيها ، فكل واحد من أهل ذلك المجلس قد وطَّن نفسه على هذا الاعتذار ولذلك فالخطاب في قوله : { يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون } خطاب بعضهم لبعض وهو حاصل من طوائف ذلك الملأ لطوائفَ يرددونه بينهم ويقوله بعضهم لبعض .

ووجه استفادتهم أن موسى يريد إخراجهم من أرضهم ، إما أنهم قاسوا ذلك عن قول موسى { فأرسل معى بني إسرائيل } [ الأعراف : 105 ] بقاعدة ما جاز على المثل يجوز على المماثل ، يعنون أنه ما أظهر إخراج بني إسرائيل إلاْ ذريعة لإخراج كل من يؤمن به ليتخدهم تبعاً ويقيم بهم ملكاً خارجَ مصر . فزعموا أن تلك مكيدة من موسى لثلم ملك فرعون .

وإما أن يكون ملأ فرعون محتوياً على رجال من بني إسرائيل كانوا مقربين عند فرعون ومن أهل الرأي في المملكة ، فهم المقصود بالخطاب ، أي : يريد إخراج قومكم من أرضكم التي استوطنتموها أربعة قرون وصارت لكم موطناً كما هي للمصريين ، ومقصدهم من ذلك تذكيرهم بحب وطنهم ، وتقريبهم من أنفسهم ، وإنساؤهم ما كانوا يلقون من اضطهاد القبط واستذلالهم ، شعوراً منهم بحراجة الموقف .

وإما إنهم علموا أنه إذا شاع في الأمة ظهور حجة موسى وعَجْز فرعون وملئه أدخل ذلك فتنة في عامة الأمة فآمنوا بموسى وأصبح هو الملك على مصر فأخرج فرعونَ وملأه منها .

ويجوز أن يكون الملأ خاطبوا بذلك فرعون . فجرَتْ ضمائر الخطاب في قوله : { أن يخرجكم من أرضكم } على صيغة الجمع تعظيماً للملك كما في قوله تعالى : { قال رب ارجعون } [ المؤمنون : 99 ] وهذا استعمال مطرد .

والأمر حقيقته طلبُ الفعل ، فمعنى { فماذا تأمرون } ماذا تطلبون أن نفعل ، وقال جماعة من أهل اللغة : غلب استعمال الأمر في الطلب الصادر من العلي إلى من دونه فإذا التزم هذا كان إطلاقه هنا على وجه التلطف مع المخاطبين ، وأياً ما كان فالمقصود منه الطلب على وجه الإفتاء والاشتوار لأن أمرهم لا يتعين العمل به ، فإذا كان المخاطب فرعون على ما تقدم ، كان مراداً من الأمر الطلب الذي يجب امتثاله كما قال ملأ بلقيس : { فانظُرِي ماذا تأمرين } [ النمل : 33 ] .

والساحر فاعل السحر ، وتقدم الكلام على السحر عند قوله تعالى : { يعلمون الناس السحر } في سورة البقرة ( 102 ) .