{ 204 - 207 } { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ } .
يقول تعالى : { أَفَبِعَذَابِنَا } الذي هو العذاب الأليم العظيم ، الذي لا يستهان به ، ولا يحتقر ، { يَسْتَعْجِلُونَ } فما الذي غرهم ؟ هل فيهم قوة وطاقة ، للصبر عليه ؟ أم عندهم قوة يقدرون على دفعه أو رفعه إذا نزل ؟ أم يعجزوننا ، ويظنون أننا لا نقدر على ذلك ؟ .
والاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } للتوبيخ والتهكم بهؤلاء المجرمين . أبلغ الحمق والجهل بهؤلاء المجرمين أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم ، وقالوا لنا :
{ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي: إن من يستعجل هلاك نفسه، ويسعى إلى حتفه بظلفه، لا يكون من العقلاء أبدًا.
القول في تأويل قوله تعالى : { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فيأتي هؤلاء المكذّبين بهذا القرآن ، العذاب الأليم بغتة ، يعني فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول : لا يعلمون قبل ذلك بمجيئه حتى يفجأهم بغتة فَيَقُولُوا حين يأتيهم بغتة هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ : أي هل نحن مؤخّر عنا العذاب ، ومُنْسأ في آجالنا لنثوب ، وننيب إلى الله من شركنا وكفرنا بالله ، فنراجع الإيمان به ، وننيب إلى طاعته . وقوله : أفَبِعَذَابِنا يَسْتَعْجِلُونَ يقول تعالى ذكره : أفبعذابنا هؤلاء المشركون يستعجلون بقولهم : لن نؤمن لك حتى تُسقط السماء كما زعمت علينا كِسَفا .
نشأ عن قوله : { فيَأتيهم بغتةً وهم لا يشعرون } [ الشعراء : 202 ] تقدير جواب عن تكرر سؤالهم : { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يونس : 48 ] ، حيث جعلوا تأخر حصول العذاب دليلاً على انتفاء وقوعه ، فأُعقب ذلك بقوله : { أفبعذابنا يستعجلون } . فالفاء في قوله : { أفبعذابنا يستعجلون } تفيد تعقيب الاستفهام عقب تكرر قولهم { متى هذا الوعد } [ يونس : 48 ] ونحوِه . والاستفهام مستعمل في التعجيب من غرورهم . والمعنى : أيستعجلون بعذابنا فما تأخيره إلا تمتيع لهم . وكانوا يستهزئون فيقولون : { متى هذا الوعد } ، ويستعجلون بالعذاب { وقالوا ربنا عجّل لنا قطنا قبل يوم الحساب } [ ص : 16 ] . قال مقاتل : قال المشركون للنبيء صلى الله عليه وسلم يا محمد إلى متى تعِدُنا بالعذاب ولا تأتي به ، فنزلت { أفبعذابنا يستعجلون } .
وتقديم « بعذابنا » للرعاية على الفاصلة وللاهتمام به في مقام الإنذار ، أي ليس شأن مثله أن يستعجل لفظاعته .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"أفَبِعَذَابِنا يَسْتَعْجِلُونَ" يقول تعالى ذكره: أفبعذابنا هؤلاء المشركون يستعجلون بقولهم: "لن نؤمن لك حتى تُسقط السماء كما زعمت علينا كِسَفا".
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال أهل التأويل: هذا جواب لهم لما أوعدهم النبي العذاب، ينزل بهم: متى العذاب؟ تكذيبا له واستهزاء. يقول الله عند ذلك: {أفبعذابنا يستعجلون} لقولهم: {متى هذا الوعد} [يونس: 48و...] وقولهم: {فأمطر علينا حجارة من السماء} [الأنفال: 32] ومثله وإلا ليس في الظاهر جوابا لقولهم: {هل نحن منظرون}.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فقال الله تعالى "أفبعذابنا يستعجلون "على وجه التوبيخ لهم والإنكار عليهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
تبكيت لهم بإنكار وتهكم، ومعناه: كيف يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه من جنس ما هو فيه اليوم من النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجاب إليها.
ويحتمل أن يكون هذا حكاية توبيخ يوبخون به عند استنظارهم يومئذ، و {يَسْتَعْجِلُونَ} على هذا الوجه حكاية حال ماضية. ووجه آخر متصل بما بعده، وذلك أنّ استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم، وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن، فقال تعالى: أفبعذابنا يستعجلون أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل.
فالمراد أنه تعالى بين أنهم كانوا في الدنيا يستعجلون العذاب، مع أن حالهم عند نزول العذاب طلب النظرة ليعرف تفاوت الطريقين فيعتبر به.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما حقق أن حالهم عند الأخذ الجؤار بالذل والصفار به، تسبب عنه ما يستحقون باستعجاله من الإنكار في قوله، منبهاً على أن قدره يفوق الوصف بنون العظمة: {أفبعذابنا} أي وقد تبين لهم كيف كان أخذه للأمم الماضية، والقرون الخالية، والأقوام العاتية! {يستعجلون} أي بقولهم: أمطر علينا حجارة من السماء، أسقط السماء علينا كسفاً، ائت بالله والملائكة قبيلاً، كما قال هؤلاء الذين قصصنا أمرهم، وتلونا ذكرهم {فأسقط علينا كسفاً من السماء} ونحو ذلك.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فالفاء في قوله: {أفبعذابنا يستعجلون} تفيد تعقيب الاستفهام عقب تكرر قولهم {متى هذا الوعد} [يونس: 48] ونحوِه. والاستفهام مستعمل في التعجيب من غرورهم. والمعنى: أيستعجلون بعذابنا فما تأخيره إلا تمتيع لهم. وكانوا يستهزئون فيقولون: {متى هذا الوعد}، ويستعجلون بالعذاب {وقالوا ربنا عجّل لنا قطنا قبل يوم الحساب}...وتقديم « بعذابنا» للرعاية على الفاصلة وللاهتمام به في مقام الإنذار، أي ليس شأن مثله أن يستعجل لفظاعته.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(أفبعذابنا يستعجلون). إشارة إلى أنّه طالما استهزأتم أيّها المجرمون، وسخرتم من أنبيائكم، وطلبتم منهم نزول العذاب بسرعة... لكن حين أصبحتم في قبضة العذاب تطلبون الإمهال لتعوضوا عمّا فات من الأعمال، وكنتم ترون الأمر لهواً ولعباً في يوم، لكن في اليوم الآخر وجدتموه جديّاً وعلى كل حال فإنّ سنة الله أن لا يعذب قوماً حتى يُتمّ عليهم الحجّة البالغة... لكن إذا تمّت الحجة، وفسح لهم المجال، ولم يتوبوا إلى رشدهم أنزل عذابه فلا ينفع الابتهال، والرجوع نحو ساحة ذي الجلال.