تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (48)

ولما بين البراهين الدالة على صحة الحق ، وبطلان الباطل ، أخبر تعالى أن هذه سنته وعادته أن { يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } لأنه بين من الحق في هذا الموضع ، ورد به أقوال المكذبين ، ما كان عبرة للمعتبرين ، وآية للمتأملين .

فإنك كما ترى ، كيف اضمحلت أقوال المكذبين ، وتبين كذبهم وعنادهم ، وظهر الحق وسطع ، وبطل الباطل وانقمع ، وذلك بسبب بيان { عَلَّامُ الْغُيُوبِ } الذي يعلم ما تنطوي عليه القلوب ، من الوساوس والشبه ، ويعلم ما يقابل ذلك ، ويدفعه من الحجج .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (48)

ثم أمره - سبحانه - للمرة الثالثة ، أن يبين لهم أنهم لا قدرة لهم على مجادلته أو محاربته ، لأن الله - تعالى - قد سلحه بما ينصره عليهم فقال : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بالحق عَلاَّمُ الغيوب } .

وأصل القذف : الرمى بقوة وشدة والمراد به هنا : ما يوحيه الله - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن وتوجيهات وإلهامات ، والباء فى قوله { بالحق } للسببية .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - إن ربى يلقى الوحى إلى وإلى أنبيائه ، بسبب الحق الذى كلفهم بتبليغه إلى الناس ، وهو - سبحانه - وحده علام الغيوب .

قال الجمل : ما ملخصه قوله : { يَقْذِفُ بالحق } يجوز أن يكون مفعوله محذوفا ، لأنه القذف فى الأصل الرمى ، وعبر به هنا عن الإِلقاء . أى : يلقى الوحى إلى أنبيائه بالحق ، أى : بسبب الحق ، أو متلبسا الحق .

ويجوز أن يكون التقدير : يقذف الباطل بالحق ، كما قال - تعالى - { بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ } ويجوز أن يكون المعنى : قل إن ربى يقضى ويحكم بالحق ، بتضمين " يقذف " معنى يقضى ويحكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (48)

43

ويشتد الإيقاع الثالث وتقصر خطاه :

( قل : إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ) . .

وهذا الذي جئتكم به هو الحق . الحق القوي الذي يقذف به الله . فمن ذا يقف للحق الذي يقذف به الله ? إنه تعبير مصور مجسم متحرك . وكأنما الحق قذيفة تصدع وتخرق وتنفذ ولا يقف لها أحد في طريق . . يقذف بها الله ( علاّم الغيوب )فهو يقذف بها عن علم ، ويوجهها على علم ، ولا يخفى عليه هدف ، ولا تغيب عنه غاية ، ولا يقف للحق الذي يقذف به معترض ولا سد يعوق . فالطريق أمامه مكشوف ليس فيه مستور !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (48)

لا جرم إذ انتهى الاستدلال والمجادلة أن يُنتقل إلى النداء بين ظهرانيهم بظهور الحق فيستغنى عن مجادلتهم .

وأعيد فعل { قل } للاهتمام بالمقول كما أشرنا إليه آنفاً .

والتأكيد لتحقيق هذا الخبر .

والتعبير عن اسم الله بلفظ الرب وإضافته إلى ضمير المتكلم للإِشارة أن الحق في جانبه وأنه تأييد من ربه فإن الرب ينصر مربوبه ويؤيده . فالمراد بالربوبية هنا ربوبية الولاء والاختصاص لا مطلق الربوبية لأنها تعمّ الناس كلهم .

وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي للدلالة على الاختصاص دون التقوِّي لأن تقوِّي الجملة حصل بحرف التأكيد . وهذا الاختصاص باعتبار ما في { يقذف بالحق } من معنى : الناصر لي دونَكم فماذا ينفعكم اعتزازكم بأموالكم وأولادكم وقوتكم .

والقذف : إلقاء شيء من اليد ، وأطلق على إظهار الحق قذف على سبيل الاستعارة ، شبه إعلان الحق بإلقاء الحجر ونحوه . والمعنى : أن ربي يقذفكم بالحق .

أو هو إشارة إلى قوله : { بل نقذف بالحق على الباطل } [ الأنبياء : 18 ] وعلى كل فهو تعريض بالتهديد والتخويف من نصر الله المؤمنين على المشركين .

وتخصيص وصف { علام الغيوب } من بين الأوصاف الإِلهية للإِشارة إلى أنه عالم بالنوايا ، وأن القائِل يعلم ذلك فالذي يعلم هذا لا يجترىء على الله بادعائه باطلاً أنه أرسله إليكم ، فالإِعلام بهذه الصفة هنا يشبه استعمال الخبر في لازم فائدتِه وهو العِلم بالحكم الخبري .

ويجوز أن يكون معنى : { يقذف بالحق } يرسل الوحي ، أي على من يشاء من عباده كقوله تعالى : { يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده } [ غافر : 15 ] ويكون قوله { علام الغيوب } إشارة إلى أنه أعلم حيث يجعل رسالاته لأن المشركين كانوا يقولون : لولا أنزلت علينا الملائكة دون محمد .

وارتفع { علام } على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هو علاّم الغيوب ، أو على أنه نعت لاسم { إنّ } إما مقطوع ، وإما لمراعاة محل اسم { إنّ } حيث إنها استوفت خبرها لأن حكم الصفة حكم عطف النسق عند أكثر النحاة وهو الحق . وقال الفراء : رفع الاسم في مثل هذا هو غالب كلام العرب . ومثَّله بالبدل في قوله تعالى : { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } [ ص : 64 ] .

وقرأ الجهور { الغيوب } بضم الغين . وقرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بكسر الغين كما جاء الوجهان في بَاء « بيوت » .