تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِي غَمۡرَةٖ مِّنۡ هَٰذَا وَلَهُمۡ أَعۡمَٰلٞ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَٰمِلُونَ} (63)

{ 63 - 67 } { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ }

يخبر تعالى أن قلوب المكذبين في غمرة من هذا ، أي : وسط غمرة من الجهل والظلم ، والغفلة والإعراض ، تمنعهم من الوصول إلى هذا القرآن ، فلا يهتدون به ، ولا يصل إلى قلوبهم منه شيء . { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا* وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } فلما كانت قلوبهم في غمرة منه ، عملوا بحسب هذا الحال ، من الأعمال الكفرية ، والمعاندة للشرع ، ما هو موجب لعقابهم ، { و } لكن { لَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ } هذه الأعمال { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } أي : فلا يستغربوا عدم وقوع العذاب فيهم ، فإن الله يمهلهم ليعملوا هذه الأعمال ، التي بقيت عليهم مما كتب عليهم ، فإذا عملوها واستوفوها ، انتقلوا بشر حالة إلى غضب الله وعقابه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِي غَمۡرَةٖ مِّنۡ هَٰذَا وَلَهُمۡ أَعۡمَٰلٞ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَٰمِلُونَ} (63)

ثم تعود السورة مرة أخرى إلى الحديث عن أحوال الكافرين ، فتوبخهم على استمرارهم فى غفلتهم ، وتصور جزعهم وجؤارهم عند ما ينزل بهم العذاب فتقول : { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي . . . } .

قال الجمل : قوله - تعالى - : { بَلْ قُلُوبُهُمْ . . . } هذا رجوع لأحوال الكفار المحكية فيما سبق بقوله : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ } والجمل التى بينهما وهى قوله : { إِنَّ الذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ } إلى قوله { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } اعتراض فى خلال الكلام المتعلق بالكفار .

أى : هذه هى أوصاف المؤمنين الصادقين ، أما الكافرون فقلوبهم فى { غَمْرَةٍ مِّنْ هذا } أى : فى جهالة وغفلة مما عليه هؤلاء المؤمنون من صفات حميدة ، ومن إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .

وهؤلاء الكافرون { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } سيئة كثيرة { مِّن دُونِ ذلك } أى من غير ما ذكرناه عنهم من كون قلوبهم فى غمرة وجهالة عن الحق { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } أى : هم مستمرون عليها ، ومعتادون لفعلها مندفعون فى ارتكابها بدون وعى أو تدبر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِي غَمۡرَةٖ مِّنۡ هَٰذَا وَلَهُمۡ أَعۡمَٰلٞ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَٰمِلُونَ} (63)

53

إنما يغفل الغافلون لأن قلوبهم في غمرة عن الحق ، لم يمسسها نوره المحيي ، لانشغالها عنه ، واندفاعها في التيه ؛ حتى تفيق على الهول ، لتلقي العذاب الأليم ، وتلقى معه التوبيخ والتحقير :

( بل قلوبهم في غمرة من هذا ، ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون . حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون . لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون . قد كانت آياتي تتلى عليكم ، فكنتم على أعقابكم تنكصون ، مستكبرين به سامرا تهجرون ) . .

فعلة اندفاعهم فيما هم فيه ليست هي تكليفهم بما هو فوق الطاقة ؛ إنما العلة أن قلوبهم في غمرة ، لا ترى الحق الذي جاء به القرآن ، وأنهم مندفعون في طريق آخر غير النهج الذي جاء به : ( ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِي غَمۡرَةٖ مِّنۡ هَٰذَا وَلَهُمۡ أَعۡمَٰلٞ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَٰمِلُونَ} (63)

وقوله { في غمرة } يريد في ضلال قد غمرها كما يفعل الماء الغمر بما حصل فيه ، وقوله { من هذا } ، يحتمل أن يشير إلى القرآن ، ويحتمل أن يشير{[8512]} إلى كتاب الإحصاء ، ويحتمل أن يشير إلى الأَعمال الصالحة المذكورة قبل ، أي هم في غمرة من اطراحها وتركها ويحتمل أن يشير إلى الدين بجملته أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل تأويل من هذه قالته فرقة ، وقوله تعالى : { ولهم أعمال من دون ذلك } الإشارة بذلك إلى الغمرة والضلال المحيط فمعنى الآية بل هم ضالون معرضون عن الحق ولهم مع ذلك سعايات فساد فوسمهم تعالى بحالتي شر ، قال هذا المعنى قتادة وأبو العالية ، وعلى هذا التأويل فالإخبار عما سلف من أعمالهم وعماهم فيه ، وقالت فرقة الإشارة بذلك إلى قوله : { من هذا } فكأنه قال : لهم أعمال من دون الحق ، وقال الحسن بن أبي الحسن ومجاهد : إنما أخبر بقوله { ولهم أعمال } عما يستأنف من أعمالهم أي أنهم لهم أعمال من الفساد يستعملونها .


[8512]:زيادة يحتاج إليها التعبير.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِي غَمۡرَةٖ مِّنۡ هَٰذَا وَلَهُمۡ أَعۡمَٰلٞ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَٰمِلُونَ} (63)

إضراب انتقال إلى ما هو أغرب مما سبق وهو وصف غمرة أخرى انغمس فيها المشركون فهم في غمرة غمرت قلوبهم وأبعدتها عن أن تتخلق بخلق الذين هم من خشية ربهم مشفقون كيف وأعمالهم على الضد من أعمال المؤمنين تناسب كفرهم ، فكل يعمل على شاكلته .

فحرف ( من ) في قوله : { من هذا } يوهم البدلية ، أي في غمرة تباعدهم عن هذا .

والإشارة ب { هذا } إلى ما ذكر آنفاً من صفات المؤمنين في قوله : { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } إلى قوله : { وهم لها سابقون } [ المؤمنون : 57 61 ] .

و { دون } تدل على المخالفة لأحوال المؤمنين ، أي ليسوا أهلاً للتحلي بمثل تلك المكارم .

وقوله : { ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون } يبين ( هذا ) ، أي وأعمالهم التي يعملونها غير ذلك . ويذكرني هذا قول محمد بن بشير الخارجي في مدح عروة بن زيد الخيل :

يا أيهـا المتمني أن يكون فتى *** مثل ابن زيد لقد أخلى لك السبلا

أعـدِدْ فضائل أخلاق عُدِدْنَ له *** هل سَبّ من أحد أو سُب أو بخلا

إن تنفق المال أو تكلَف مَسَاعيَه *** يشفقْ عليك وتفعل دون ما فعلا

ولام { لهم أعمال } للاختصاص . وتقديم المجرور بها على المبدأ لقصر المسند إليه على المسند ، أي لهم أعمال لا يعملون غيرها من أعمال الإيمان والخيرات .

ووُصف { أعمال } بجملة { هم لها عاملون } للدلالة على أنهم مستمرون عليها لا يقلعون عنها لأنهم ضروا بها لكثرة انغماسهم فيها .

وجيء بالجملة الاسمية لإفادة الدوام على تلك الأعمال وثباتهم عليها .

ويجوز أن يكون تقديم { لها } على { عاملون } لإفادة الاختصاص لقصر القلب ، أي لا يعملون غيرها من الأعمال الصالحة التي دعوا إليها . ويجوز أن يكون للرعاية على الفاصلة لأن القصر قد أفيد بتقديم المسند إليه .