اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{بَلۡ قُلُوبُهُمۡ فِي غَمۡرَةٖ مِّنۡ هَٰذَا وَلَهُمۡ أَعۡمَٰلٞ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمۡ لَهَا عَٰمِلُونَ} (63)

قوله : { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ } أي : في غفلة وجهالةٍ ، يعني الكفار{[33100]} في غفلة . «مِنْ هَذَا » أي : القرآن ، أي{[33101]} من هذا الذي بيّناه في القرآن ، أو من الكتاب الذي ينطق بالحق أو من هذا الذي هو وصف المشفقين . «وَلَهُمْ » أي : ولهؤلاء الكفار { أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذلك } أي : أعمال خبيثة من المعاصي «دُون{[33102]} ذَلِك » أي : سوى جهلهم وكفرهم .

وقيل : «دُون ذَلِك » يعني : من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله - عز وجل{[33103]} - قال بعضهم : أراد أعمالهم في الحال . وقيل : بل أراد المستقبل لقوله : { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } .

وإنما قال : { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } ، لأنها مثبتة في علم الله - تعالى - وفي اللوح المحفوظ ، فوجب أن يعملوها ليدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة . وقال{[33104]} أبو مسلم : هذه الآيات من صفات المشفقين كأنه قال بعد وصفهم : { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } ونهايته ما أتى به هؤلاء المشفقون «وَلَدَيْنَا كِتَابٌ » يحفظ أعمالهم «يَنْطِقُ بالحَقِّ » «فَلاَ يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ في غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا » هو أيضاً وصفٌ لهم بالحيرة كأنه قال : وهم مع ذلك الوجل والخوف كالمتحيرين في أن أعمالهم مقبولة أو مردودة { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذلك } أي : لهم أيضاً من النوافل ووجوه البرِّ سِوَى ما هم عليه إمَّا أعمالاً قد عملوها في الماضي ، أو سيعملوها في المستقبل ، ثم إنه تعالى رجع بقوله : { حتى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ } إلى وصف الكفار{[33105]} وهذا قول قتادة .

قال ابن الخطيب : وقول أبي مسلم أولى ، لأنه إذا أمكن رد الكلام إلى ما يتصل به كان أولى من ردّه إلى ما بعد خصوصاً ، وقد يرغب المرء في فعل الخير{[33106]} بأن يذكر أنّ أعمالهم محفوظة ، كما يحذر بذلك من الشر ، وقد يُوصف المرء لشدة فكره في أمر آخرته بأن قلبه في غمرة ، ويراد أنّه قد استولى عليه الفكر في قبوله أو ردِّه ، وفي أنه هل أدَّى عمله كما يجب أو قصّر ؟

فإن قيل : فما المراد بقوله : «مِنْ هَذَا » وهو إشارة إلى ماذا ؟

قلنا : إشارة إلى إشفاقهم ووجلهم بيَّن أنهما مستوليان على قلوبهم {[33107]} .

قوله : { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } كقوله : { هُمْ لَهَا سَابِقُونَ } [ المؤمنون : 61 ] .


[33100]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/110.
[33101]:في ب: أو.
[33102]:في ب: من دون.
[33103]:في ب: تعالى.
[33104]:في الأصل: قال.
[33105]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 23/110.
[33106]:في الأصل: الغير. وهو تحريف.
[33107]:الفخر الرازي 23/110.