تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (14)

{ فَإلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ } على شيء من ذلكم { فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ } [ من عند الله ]{[427]}  لقيام الدليل والمقتضي ، وانتفاء المعارض .

{ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } أي : واعلموا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي : هو وحده المستحق للألوهية والعبادة ، { فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أي : منقادون لألوهيته ، مستسلمون لعبوديته ، وفي هذه الآيات إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله أن يصده اعتراض المعترضين ، ولا قدح القادحين .

خصوصا إذا كان القدح لا مستند له ، ولا يقدح فيما دعا إليه ، وأنه لا يضيق صدره ، بل يطمئن بذلك ، ماضيا على أمره ، مقبلا على شأنه ، وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين للأدلة التي يختارونها . بل يكفي إقامة الدليل السالم عن المعارض ، على جميع المسائل والمطالب . وفيها أن هذا القرآن ، معجز بنفسه ، لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله ، ولا بعشر سور من مثله ، بل ولا بسورة من مثله ، لأن الأعداء البلغاء الفصحاء ، تحداهم الله بذلك ، فلم يعارضوه ، لعلمهم أنهم لا قدرة فيهم على ذلك .

وفيها : أن مما يطلب فيه العلم ، ولا يكفي غلبة الظن ، علم القرآن ، وعلم التوحيد ، لقوله تعالى : { فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }


[427]:- في ب: " فاعلموا أنما أنزل بعلم الله " [ من عند الله] والجملة الأخيرة قد شطبت في أ.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (14)

وقوله - سبحانه - { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلِ بِعِلْمِ الله وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } إرشاد لهؤلاء المشركين إلى طريق الحق والسعادة لو كانوا يعقلون ، إذ الخطاب موجه إليهم لعلهم يثوبون إلى الرشد .

والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الذين تحديتهم أن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن ، وأبحث لهم أن يستعينوا فى ذلك بمن شاءوا من البشر ، قل لهم : فإن لم يستجب لدعوتكم من استعنتم بهم فى الإِتيان بعشر سور من مثل القرآن .

. وهم لن يستجيبوا لكم قطعا - { فاعلموا } أيها الناس أن هذا القرآن { أُنزِلِ بِعِلْمِ الله } وحده ، وبقدرته وحدها . ولا يقدر على إنزاله بتلك الصورة أحد سواه .

واعلموا - أيضا - أنه { لاَّ إله إِلاَّ هُوَ } - سبحانه - فهو الإِله الحق ، الذى تعنوا له الوجوه ، وتخضع له القلوب ، وتتجه إليه النفوس بالعبادة والطاعة .

{ فَهَلْ أَنتُمْ } أيها المشركون بعد كل تلك الأدلة الواضحة الدالة على وحدانية الله ، وعلى أن هذا القرآن من عنده { مُّسْلِمُونَ } أى : داخلون فى الإِسلام ، متبعون لما جاءكم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

والمراد بالعلم فى قوله { فاعلموا أَنَّمَآ أُنزِلِ . . . } : الاعتقاد الجازم البالغ نهاية اليقين ، أى فأيقنوا أن هذا القرآن ما أنزل إلا ملابس لعلم الله - تعالى - المحيط بكل شئ .

والفاء فى قوله { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } للتفريع ، والاستفهام هنا المقصود به الحض على الفعل وعدم تأخيره .

أى : فهل أنتم بعد كل هذه الأدلة على صدق ما جاءكم به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - تشكون فى أن الإِسلام هو الدين الحق ؟ إن الشك فى ذلك لا يكون من عاقل ، فبادروا إلى الدخول فى الإِسلام إن كنتم من ذوى العقول التى تعقل ما يقال لها .

ويرى بعض العلماء أن الخطاب فى هذه الآية موجه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، أو إليه وحده - صلى الله عليه وسلم - وعلى سبيل التعظيم وعليه يكون المعنى :

" فإن لم يستجب لكم - أيها المؤمنون - هؤلاء الذين أعرضوا عن دعوة الحق ، بعد أن ثبت عجزهم عن الإِتيان بما تحديثموهم به { فاعلموا } أى فازدادوا علما ويقينا وثباتا ، بأن هذا القرآن " إنما أنزل بعلم الله " الذى لا يعزب عنه شئ ، وازدادوا علما بأنه لا إله إلا هو - سبحانه - مستحق للعبادة والطاعة ، فهل أنتم بعد كل ذلك { مُّسْلِمُونَ } أى ثابتون على الإِسلام ، وملتزمون بكل أوامره ونواهيه .

ومع أننا نرى أن القولين صحيحان من حيث المعنى ، إلا أننا نفضل الرأى الأول القائل بأن الخطاب للمشركين ، لأن سياق الآيات السابقة فى شأنهم فلان يكون الخطاب لهم هنا أولى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (14)

1

( فإن لم يستجيبوا لكم ) . .

ولم يقدروا على افتراء عشر سور ، لأنهم عاجزون عن أن يقدموا لكم عونا في هذه المهمة المتعذرة ! وعجزتم أنتم بطبيعة الحال ، لأنكم لم تدعوهم لتستعينوا بهم إلا بعد عجزكم !

( فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ) .

فهو وحده القادر على أن ينزله ، وعلم الله وحده هو الكفيل بأن ينزله على هذا النحو الذي نزل به ، متضمنا ما تضمنه من دلائل العلم الشامل بسنن الكون وأحوال البشر ، وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم ، وما يصلح لهم في نفوسهم وفي معاشهم . . .

وأن لا إله إلا هو . .

فهذا مستفاد كذلك من عجز آلهتكم عن تلبيتكم في تأليف عشر سور كالتي أنزلها الله . فلا بد أن يكون هناك إله واحد هو القادر وحده على تنزيل هذا القرآن .

ويعقب على هذا التقرير الذي لا مفر من الإقرار به بسؤال لا يحتمل إلا جوابا واحدا عند غير المكابرين المتعنتين . سؤال :

( فهل أنتم مسلمون ؟ ) . .

بعد هذا التحدي والعجز ودلالته التي لا سبيل إلى مواجهتها بغير التسليم ؟ .

ولكنهم ظلوا بعدها يكابرون ! ! !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (14)

{ فإن لم يستجيبوا لكم } بإتيان ما دعوتم إليه ، وجمع الضمير إما لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أو لأن المؤمنين كانوا أيضا يتحدونهم ، وكان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم متناولا لهم من حيث إنه يجب أتباعه عليهم في كل أمر إلا ما خصه الدليل ، وللتنبيه على أن التحدي مما يوجب رسوخ إيمانهم وقوة يقينهم فلا يغفلون عنه ولذلك رتب عليه قوله : { فاعلموا أنما أُنزل بعلم الله } ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله ولا يقدر عليه سواه . { وأن لا إله إلا هو } واعلموا أن لا اله إلا الله لأنه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره ، ولظهور عجز آلهتهم ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقة بإعجازه عليه ، وفيه تهديد وإقناط من أن يجيرهم من بأس الله آلهتهم . { فهل أنتم مسلمون } ثابتون على الإسلام راسخون فيه مخلصون إذا تحقق عندكم إعجازه مطلقا ، ويجوز أن يكون الكل خطابا للمشركين والضمير في { لم يستجيبوا } لمن استطعتم أي فإن لم يستجيبوا لكم إلى المظاهرة لعجزهم وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعاوضة فاعلموا أنه نظم لا يعلمه إلا الله ، وأنه منزل من عنده وأن ما دعاكم إليه من التوحيد حق فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام الحجة القاطعة ، وفي مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ ٱللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (14)

لهذه الآية تأويلان : أحدهما أن تكون المخاطبة من النبي صلى الله عليه وسلم للكفار ؛ أي فإن لم يستجب من تدعون{[6272]} إلى شيء من المعارضة ولا قدر جميعكم عليها فأذعنوا حينئذ واعلموا أنه من عند الله ، ويأتي قوله { فهل أنتم مسلمون } متمكناً .

والثاني : أن تكون مخاطبة من الله تعالى للمؤمنين : أي فإن لم يستجب الكفار إلى ما دعوا إليه من المعارضة فاعلموا أن ذلك من عند الله ، وهذا على معنى دوموا على علمكم لأنهم كانوا عالمين بذلك . قال مجاهد : قوله تعالى : { فهل أنتم مسلمون } هو لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله تعالى : { بعلم الله } يحتمل معنيين :

أحدهما : بإذنه وعلى علم منه .

والثاني : أنه أنزل بما علمه الله تعالى من الغيوب ، فكأنه أراد المعلومات له وقوله : { فهل أنتم مسلمون } تقرير .


[6272]:- في بعض النسخ زيادة: "من دون الله".