تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ} (48)

{ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } أي : إذا صار بينهم وبين أحد حكومة ، ودعوا إلى حكم الله ورسوله { إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } يريدون أحكام الجاهلية ، ويفضلون أحكام القوانين غير الشرعية على الأحكام الشرعية ، لعلمهم أن الحق عليهم ، وأن الشرع لا يحكم إلا بما يطابق الواقع ،

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ} (48)

ثم ين - سبحانه - حالة أخرى من أحوالهم الذميمة فقال : { وَإِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ } .

أى : أن هؤلاء المنافقين من صفاتهم - أيضا - أنهم إذا ما دعاهم داع إلى أن يجعلوا شريعة الله - تعالى - هى الحكم بينهم وبين خصومهم ، إذا فريق كبير منهم يعرض عن هذا الداعى ، ويسرع إلى التحاكم إلى الطاغوت . كما فى قوله - تعالى - : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } والتعبير عنهم بقوله " إذا فريق منهم معرضون " إشعار بأنهم بمجرد دعوتهم إلى الحق ، ينفرون من الداعى نفورا شديدا بدون تدبر أو تمهل ، لأنهم يعلمون علم اليقين أن الحق عليهم لا لهم ، أما إن لاح لهم أن الحق لهم لا عليهم ، فإنهم يهرولون نحو الرسول صلى الله عليه وسلم يطلبون حكمه ، ولذا قال - تعالى - { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق يأتوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ} (48)

46

ولقد كان هؤلاء الذين يدعون الإيمان يخالفون مدلوله حين يدعون ليتحاكموا إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على شريعة الله التي جاء بها :

( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون . وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ) . .

فلقد كانوا يعلمون أن حكم الله ورسوله لا يحيد عن الحق ، ولا ينحرف مع الهوى ، ولا يتأثر بالمودة والشنآن . وهذا الفريق من الناس لا يريد الحق ولا يطيق العدل . ومن ثم كانوا يعرضون عن التحاكم إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ويأبون أن يجيئوا إليه . فأما إذا كانوا أصحاب حق في قضية فهم يسارعون إلى تحكيم رسول الله ، راضين خاضعين ، لأنهم واثقون أنهم سيقضي لهم بحقهم ، وفق شريعة الله ، التي لا تظلم ولا تبخس الحقوق .

هذا الفريق الذي كان يدعي الإيمان ، ثم يسلك هذا السلوك الملتوي ، إنما هو نموذج للمنافقين في كل زمان ومكان . المنافقين الذي لا يجرؤون على الجهر بكلمة الكفر ، فيتظاهرون بالإسلام . ولكنهم لا يرضون أن تقضي بينهم شريعة الله ، ولا أن يحكم فيهم قانونه ، فإذا دعوا إلى حكم الله ورسوله أبوا وأعرضوا وانتحلوا المعاذير ( وما أولئك بالمؤمنين )فما يستقيم الإيمان وإباء حكم الله ورسوله . إلا أن تكون لهم مصلحة في أن يتحاكموا إلى شريعة الله أو يحكموا قانونه !

إن الرضى بحكم الله ورسوله هو دليل الإيمان الحق . وهو المظهر الذي ينبى ء عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب . وهو الأدب الواجب مع الله ومع رسول الله . وما يرفض حكم الله وحكم رسوله إلا سييء الأدب معتم ، لم يتأدب بأدب الإسلام ، ولم يشرق قلبه بنور الإيمان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ} (48)

وقوله : { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } أي : إذا طلبوا إلى اتباع الهدى ، فيما أنزل الله على رسوله ، أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه . وهذه كقوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } [ النساء : 60 ، 61 ] .

وفي الطبراني من حديث روح بن عطاء بن{[21294]} أبي ميمونة ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن سَمُرَة مرفوعًا : " من دُعي إلى سلطان فلم يجب ، فهو ظالم لا حق له " {[21295]} .


[21294]:- في ف ، أ : "عن".
[21295]:- المعجم الكبير للطبراني (7/225) وقال الهيثمي في المجمع (4/198) : "فيه روح بن عطاء ، وثقه ابن عدي وضعفه الأئمة".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ} (48)

وقوله تعالى : { ويقولون آمنا بالله } الآية نزلت في المنافقين وسببها فيما روي أن رجلاً من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المنافق مبطلاً فأبى من ذلك ودعا اليهود إلى كعب بن الأشرف فنزلت هذه الآية فيه{[8749]} .

وأسند الزهراوي عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال من دعاه خصمه إلى حكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم .


[8749]:أخرجه الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر ذلك النيسابوري في أسباب النزول، وذكر أن هذه القصة هي أيضا سبب نزول قوله تعالى في سورة النساء: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت}، وأخرجه ابن جرير عن الربيع بن أنس، كما أخرجه الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما. (الدر المنثور، وأسباب النزول).

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ} (48)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} يَقُولُ: وَإِذَا دُعِيَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [آل عمران: 23] فِيمَا اخْتَصَمُوا فِيهِ بِحُكْمِ اللَّهِ، {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالرِّضَا بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ثم أخبر عن حال هؤلاء فقال:"وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم" في شيء يختلفون فيه "إذا فريق منهم "يعني المنافقين "معرضون" عن ذلك ولا يختارونه، لأنه يكون الحق عليهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

معنى {إِلَى الله وَرَسُولِهِ} إلى رسول الله...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما فضحهم بما أخفوه من توليهم، قبح عليهم ما أظهروه، فقال معبراً بأداة التحقيق: {وإذا دعوا} أي الذين ادعوا الإيمان من أي داع كان {إلى الله} أي ما نصب الملك الأعظم من أحكامه {ورسوله ليحكم} أي الرسول {بينهم} بما أراه الله {إذا فريق منهم} أي ناس مجبولون على الأذى المفرق {معرضون} أي فاجؤوا الإعراض، إذا كان الحق عليهم، لاتباعهم أهواءهم، مفاجأة تؤذن بثباتهم فيه.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} أي: إذا صار بينهم وبين أحد حكومة، ودعوا إلى حكم الله ورسوله {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} يريدون أحكام الجاهلية، ويفضلون أحكام القوانين غير الشرعية على الأحكام الشرعية، لعلمهم أن الحق عليهم، وأن الشرع لا يحكم إلا بما يطابق الواقع.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولقد كان هؤلاء الذين يدعون الإيمان يخالفون مدلوله حين يدعون ليتحاكموا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على شريعة الله التي جاء بها:

(وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون. وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين)..

فلقد كانوا يعلمون أن حكم الله ورسوله لا يحيد عن الحق، ولا ينحرف مع الهوى، ولا يتأثر بالمودة والشنآن. وهذا الفريق من الناس لا يريد الحق ولا يطيق العدل. ومن ثم كانوا يعرضون عن التحاكم إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ويأبون أن يجيئوا إليه. فأما إذا كانوا أصحاب حق في قضية فهم يسارعون إلى تحكيم رسول الله، راضين خاضعين، لأنهم واثقون أنهم سيقضي لهم بحقهم، وفق شريعة الله، التي لا تظلم ولا تبخس الحقوق.

هذا الفريق الذي كان يدعي الإيمان، ثم يسلك هذا السلوك الملتوي، إنما هو نموذج للمنافقين في كل زمان ومكان. المنافقين الذي لا يجرؤون على الجهر بكلمة الكفر، فيتظاهرون بالإسلام. ولكنهم لا يرضون أن تقضي بينهم شريعة الله، ولا أن يحكم فيهم قانونه، فإذا دعوا إلى حكم الله ورسوله أبوا وأعرضوا وانتحلوا المعاذير (وما أولئك بالمؤمنين) فما يستقيم الإيمان وإباء حكم الله ورسوله. إلا أن تكون لهم مصلحة في أن يتحاكموا إلى شريعة الله أو يحكموا قانونه!

إن الرضى بحكم الله ورسوله هو دليل الإيمان الحق. وهو المظهر الذي ينبى ء عن استقرار حقيقة الإيمان في القلب. وهو الأدب الواجب مع الله ومع رسول الله. وما يرفض حكم الله وحكم رسوله إلا سيئ الأدب معتم، لم يتأدب بأدب الإسلام، ولم يشرق قلبه بنور الإيمان.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الضمير في قوله: {وإذا دعوا} عائد إلى معاد ضمير {يقولون}. وإسناد فعل {دعوا} إلى جميعهم وإن كان المعرضون فريقاً منهم لا جميعهم للإشارة إلى أنهم سواء في التهيؤ إلى الإعراض ولكنهم لا يظهرونه إلا عندما تحل بهم النوازل فالمعرضون هم الذين حلت بهم الخصومات.

وقد شملت الآية نفراً من المنافقين كانوا حلت بهم خصومات فأبوا حكم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحكم عليهم أو بعدما حكم عليهم فلم يُرضهم حكمه...

وإنما جعل الدعاء إلى الله ورسوله كليهما مع أنهم دعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن حكم الرسول حكم الله لأنه لا يحكم إلا عن وحي. ولهذا الاعتبار أفرد الضمير في قوله: {ليحكم} العائد إلى أقرب مذكور ولم يقل: ليحكما.