وجملة { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى } فى موضع الحال ، وفيها التفات من الغيبة إلى الخطاب ، و " ما " استفهامية مبتدأ ، وجملة " يدريك " خبره .
والكاف مفعول أول ، وجملة الترجى سادة مسد المفعول الثانى . والضمير فى { لعله } يعود إلى عبد الله ابن أم مكتوم المعبر عنه بالأعمى .
والمعنى : عبس صلى الله عليه وسلم وضاق صدره ، وأعرض بوجهه ، لأن جاءه الرجل الأعمى ، وجعل يخاطبه وهو مشغول بالحديث مع غيره .
{ وَمَا يُدْرِيكَ } أى : وأى شئ يجعلك - أيها الرسول الكريم - داريا بحال هذا الأعمى الذى عبست فى وجهه { لَعَلَّهُ يزكى } أى : لعله بسبب ما يتعلمه منك يتطهر ويتزكى ، ويزداد نقاء وخشوعا لله رب العالمين
ثم يستدير التعبير - بعد مواراة الفعل الذي نشأ عنه العتاب - يستدير إلى العتاب في صيغة الخطاب . فيبدأ هادئا شيئا ما : ( وما يدريك لعله يزكى ? أو يذكر فتنفعه الذكرى ? ) . . ما يدريك أن يتحقق هذا الخير الكبير . أن يتطهر هذا الرجل الأعمى الفقير - الذي جاءك راغبا فيما عندك من الخير - وأن يتيقظ قلبه فيتذكر فتنفعه الذكرى .
وما يدريك أن يشرق هذا القلب بقبس من نور الله ، فيستحيل منارة في الأرض تستقبل نور السماء ? الأمر الذي يتحقق كلما تفتح قلب للهدى وتمت حقيقة الإيمان فيه . وهو الأمر العظيم الثقيل في ميزان الله . .
ذكر غيرُ واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطبُ بعض عظماء قريش ، وقد طَمع في إسلامه ، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابنُ أم مكتوم - وكان ممن أسلم قديما - فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه ، وودَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل ؛ طمعا ورغبة في هدايته . وعَبَس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه ، وأقبل على الآخر ، فأنزل الله عز وجل : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) ؟ أي : يحصل له زكاة وطهارة في نفسه .
وجملة { وما يدريك } الخ في موضع الحال .
( وما يدريك ) مركبة من ( ما ) الاستفهامية وفعل الدّراية المقترن بهمزة التعدية ، أي ما يجعلك دارياً أي عالماً . ومثله : { ما أدراك } كقوله : { وما أدراك ما الحاقة } [ الحاقة : 3 ] . ومنه { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون } في سورة الأنعام ( 109 ) .
والاستفهام في هذه التراكيب مراد منه التنبيه على مغفول عنه ثم تقع بعده جملة نحو { ما أدراك ما القارعة } [ القارعة : 3 ] ونحو قوله هنا : { وما يدريك لعله يزكى } .
والمعنى أيُّ شيء يجعلك دارياً . وإنما يستعمل مثله لقصد الإجمال ثم التفصيل .
قال الراغب : ما ذكر ما أدراك في القرآن إلا وذكر بيانه بعده ا ه . قلت : فقد يُبينه تفصيلٌ مثل قوله هنا : { وما يدريك لعله يزكى } وقوله : { وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } [ القدر : 2 3 ] وقد يقع بعده ما فيه تهويل نحو : { وما أدراك ماهيه } [ القارعة : 10 ] أي ما يعلمك حقيقتها وقوله : { وما أدراك ما الحاقة } [ الحاقة : 3 ] أي أيُّ شيء أعلمك جواب : { ما الحاقة } .
وفعل : { يدريك } معلق عن العمل في مفعوليه لورود حرف ( لعلّ ) بعده فإن ( لعل ) من موجبات تعليق أفعال القلوب على ما أثبته أبو علي الفارسي في « التذكرة » إلحاقاً للترجي بالاستفهام في أنه طلب . فلما علق فعل { يدريك } عن العمل صار غير متعدَ إلى ثلاثة مفاعيل وبقي متعدياً إلى مفعول واحد بهمزة التعدية التي فيه فصار ما بعده جملة مستأنفة .
والتذكر : حصول أثر التذكير ، فهو خطور أمر معلوم في الذهن بعد نسيانه إذ هو مشتق من الذُّكر بضم الذال .
والمعنى : انظر فقد يكون تزكِّيهِ مرجواً ، أي إذا أقبلت عليه بالإِرشاد زاد الإِيمان رسوخاً في نفسه وفَعل خيرات كثيرة مما ترشده إليه فزاد تزكية ، فالمراد ب « يتزكى » تزكية زائدة على تزكية الإِيمان بالتملّي بفضائل شرائعه ومكارم أخلاقه مما يفيضه هديك عليه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة " إذ الهدى الذي يزداد به المؤمن رفعة وكمالاً في درجات الإِيمان هو كاهتداء الكافر إلى الإيمان لا سيما إذ الغاية من الاهتداءين واحدة .
و { يزكّى } أصله : يتزكى ، قلبت التاء زاياً لتقارب مخرجيهما قصداً ليتأتى الإِدغام وكذلك فُعِل في { يذّكر } من الإِدغام .
والتزكّي : مطاوع زكَّاه ، أي يحصل أثر التزكية في نفسه . وتقدم في سورة النازعات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.