{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ْ } أي : فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة ، { وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ْ } أي : وسنحسن إليه ، ونلطف له بالقول ، ونيسر له المعاملة ، وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين الأولياء ، العادلين العالمين ، حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل أحد ، بما يليق بحاله .
{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } يقتضيه إيمانه { فله } فى الدارين { جزاء الحسنى } أى : فله المثوبة الحسنى ، أو الفعلة الحسنى وهى الجنة .
{ وسنقول له } أى لمن آمن وعمل صالحا { من أمرنا } أى مما نأمره به قولا { يسرا } لا صعوبة فيه ولا مشقة ولا عسر .
فأنت ترى أن ذا القرنين قد رد بما يدل على أنه قد اتبع فى حكمه الطريق القويم ، والأسلوب الحكيم ، الذى يدل على قوة الإِيمان ، وصدق اليقين ، وطهارة النفس .
إنه بالنسبة للظالمين ، يعذب ، ويقتص ، ويرهب النفوس المنحرفة ، حتى تعود إلى رشدها ، وتقف عند حدودها .
وبالنسبة للمؤمنين الصالحين ، يقابل إحسانهم بإحسان وصلاحهم بصلاح واستقامتهم بالتكريم والقول الطيب ، والجزاء الحسن .
وهكذا الحاكم الصالح فى كل زمان ومكان : الظالمون والمعتدون . . يجدون منه كل شدة تردعهم وتزجرهم وتوقفهم عند حدودهم .
والمؤمنون والمصلحون يجدون منه كل تكريم وإحسان واحترام وقول طيب .
( وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً )
أما المؤمنون الصالحون فلهم الجزاء الحسن ، والمعاملة الطيبة ، والتكريم والمعونة والتيسير .
وهذا هو دستور الحكم الصالح . فالمؤمن الصالح ينبغي أن يجد الكرامة والتيسير والجزاء الحسن عند الحاكم . والمعتدي الظالم يجب أن يلقى العذاب والإيذاء . . وحين يجد المحسن في الجماعة جزاء إحسانه جزاء حسنا ، ومكانا كريما وعونا وتيسيرا ؛ ويجد المعتدي جزاء إفساده عقوبة وإهانة وجفوة . . عندئذ يجد الناس ما يحفزهم إلى الصلاح والإنتاج . أما حين يضطرب ميزان الحكم فإذا المعتدون المفسدون مقربون إلى الحاكم مقدمون في الدولة ؛ وإذا العاملون الصالحون منبوذون أو محاربون . فعندئذ تتحول السلطة في يد الحاكم سوط عذاب وأداة إفساد . ويصير نظام الجماعة إلى الفوضى والفساد .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَمّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً الْحُسْنَىَ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً } .
يقول : وأما من صدّق الله منهم ووحدّه ، وعمل بطاعته ، فله عند الله الحسنى ، وهي الجنة ، جزاء يعني ثوابا على إيمانه ، وطاعته ربه .
وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض أهل البصرة والكوفة : «فَلَهُ جَزَاءُ الحُسْنَى » برفع الجزاء وإضافته إلى الحسنى .
وإذا قرىء ذلك كذلك ، فله وجهان من التأويل :
أحدهما : أن يجعل الحسنى مرادا بها إيمانه وأعماله الصالحة ، فيكون معنى الكلام إذا أريد بها ذلك : وإما من آمن وعمل صالحا فله جزاؤها ، يعني جزاء هذه الأفعال الحسنة .
والوجه الثاني : أن يكون معنيا بالحسنى : الجنة ، وأضيف الجزاء إليها ، كما قيل وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ والدار : هي الاَخرة ، وكما قال : وَذلكَ دِينُ القَيّمَة والدين : هو القيم .
وقرأ آخرون : فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنى بمعنى : فله الجنة جزاء فيكون الجزاء منصوبا على المصدر ، بمعنى : يجازيهم جزاء الجنة .
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأه : فَلَهُ جَزاءً الحُسْنَى بنصب الجزاء وتنوينه على المعنى الذي وصفت ، من أن لهم الجنة جزاء ، فيكون الجزاء نصبا على التفسير .
وقوله : وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أمْرِنا يُسْرا يقول : وسنعلمه نحن في الدنيا ما تيسر لنا تعليمه مما يقرّ به إلى الله ويلين له من القول . وكان مجاهدا يقول نحوا مما قلنا في ذلك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مِنْ أمْرِنا يُسْرا قال معروفا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
{ وأما من آمن وعمل صالحا } وهو ما يقتضيه الإيمان . { فله } في الدارين . { جزاء الحسنى } فعلته الحسنى . وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص " جزاء " منونا منصوبا على الحال أي فله المثوبة الحسنى مجزيا بها ، أو على المصدر لفعله المقدر حالا أي يجزي بها جزاء أو التمييز ، وقرئ منصوبا غير منون على أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين ومنونا مرفوعا على أنه المبتدأ و{ الحسنى } بدله ، ويجوز أن يكون { أما } وما للتقسيم دون التخيير أي ليكن شأنك معهم أما التعذيب وإما الإحسان ، فالأول لمن أصر على الكفر والثاني لمن تاب عنه ، ونداء الله إياه إن كان نبيا فبوحي وإن كان غيره فبإلهام أو على لسان نبي . { وسنقول له من أمرنا } بما نأمر به . { يُسراً } سهلا ميسرا غير شاق وتقديره ذا يسر ، وقرئ بضمتين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وأما من ءامن}، يعني: صدق بتوحيد الله عز وجل
{وعمل صالحا فله جزاء الحسنى}، يعني: الجنة،
{وسنقول له من أمرنا يسرا}، يقول: سنعده معروفا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول: وأما من صدّق الله منهم ووحدّه، وعمل بطاعته، فله عند الله الحسنى، وهي الجنة، "جزاء "يعني ثوابا على إيمانه، وطاعته ربه.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك؛ فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض أهل البصرة والكوفة: «فَلَهُ جَزَاءُ الحُسْنَى» برفع الجزاء وإضافته إلى الحسنى. وإذا قرئ ذلك كذلك، فله وجهان من التأويل:
أحدهما: أن يجعل الحسنى مرادا بها إيمانه وأعماله الصالحة، فيكون معنى الكلام إذا أريد بها ذلك: وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاؤها، يعني جزاء هذه الأفعال الحسنة.
والوجه الثاني: أن يكون معنيا بالحسنى: الجنة، وأضيف الجزاء إليها، كما قيل "وَلَدَارُ الاَخِرَةِ خَيْرٌ" والدار: هي الآخرة، وكما قال: "وَذلكَ دِينُ القَيّمَة" والدين: هو القيم.
وقرأ آخرون: "فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنى" بمعنى: فله الجنة جزاء، فيكون الجزاء منصوبا على المصدر، بمعنى: يجازيهم جزاء الجنة.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأه: فَلَهُ جَزاءً الحُسْنَى بنصب الجزاء وتنوينه على المعنى الذي وصفت، من أن لهم الجنة جزاء، فيكون الجزاء نصبا على التفسير.
وقوله: "وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أمْرِنا يُسْرا" يقول: وسنعلمه نحن في الدنيا ما تيسر لنا تعليمه مما يقرّبه إلى الله، ويلين [لعل الأقرب: ونلين] له من القول... عن مجاهد، قوله: "مِنْ أمْرِنا يُسْرا" قال: معروفا.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... {مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} أي لا نأمره بالصعب الشاق، ولكن بالسهل المتيسر من الزكاة والخراج وغير ذلك، وتقديره: ذا يسر...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وأما من ءامن وعمل صالحاً} تصديقاً لما أخبر به من تصديقه {فله} في الدارين {جزاء} طريقته {الحسنى} منا ومن الله بأحسن منها {وسنقول} بوعد لا خلف فيه بعد اختباره بالأعمال الصالحة {له} أي لأجله {من أمرنا} الذي نأمر به فيه {يسراً} أي قولاً غير شاق من الصلاة والزكاة والخراج والجهاد وغيرها، وهو ما يطيقه ولا يشق عليه مشقة كبيرة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أما المؤمنون الصالحون فلهم... المعاملةُ الطّيِّبة، والتكريمُ والمَعونةُ... وهذا هو دستورُ الحُكْمِ الصالحِ. فالمؤمن الصالح ينبغي أن يجد الكرامة والتيسيرَ والجزاءَ الحَسَنَ عند الحاكم. والمعتدي الظالم يجب أن يَلْقى العذاب والإيذاء.. وحين يجد المُحْسِنُ في الجماعة جزاءَ إحسانِه جزاءً حسناً، ومكاناً كريماً وعَوْناً وتيسيراً؛ ويجد المُعتدي جزاءَ إفسادِه عُقوبةً وإهانةً وجَفْوَةً.. عندئذ يجد الناسُ ما يَحْفِزُهم إلى الصلاح والإنتاج. أما حين يَضطرب ميزانُ الحُكم فإذا المعتدون المفسدون مُقَرَّبون إلى الحاكم مُقَدَّمون في الدولة؛ وإذا العاملون الصالحون منبوذون أو محارَبون. فعندئذ تتحوَّل السلطةُ في يد الحاكم سَوْطَ عذابٍ وأداةَ إفسادٍ. ويصير نظامُ الجماعة إلى الفوضى والفساد...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والقول اليُسْر:... وُصِف باليسر المعنوي لكونه لا يَثْقُل سَماعُه... فإن كان المُرادُ من {الحُسْنى} الخِصالَ الحُسْنى، فمعنى عَطْفِ {وسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أمْرِنَا يُسْراً} أنه يجازَى بالإحسان وبالثناء، وكلاهما من ذي القرنين، وإن كان المرادُ من {الحُسْنَى} ثوابَ الآخرة فذلك مِن أمْر الله تعالى وإنما ذو القرنين مُخْبِرٌ به خبراً مستعملاً في فائدة الخبر، على معنى: إنّا نُبشِّرُه بذلك، أو مستعملاً في لازم الفائدة تأدُّباً مع الله تعالى، أي أني أَعلَم جزاءه عندك الحُسنى. وعطف عليه {وسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} لِبَيان حَظِّ المَلِكِ مِن جزائه وأنه البِشارة والثّناء...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{وأَمّا مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صَالِحاً فلَهُ جَزاء الحُسْنَى}... {فلَهُ} (اللام) للاختصاص، وكان مِن كرم الله أنْ جَعَله حَقّاً للمُحْسِن وليس عطاءً يُعْطَى أُعْطِيَةً، وكان ذلك مَنّاً وفَضْلاً. وإنّ هذا الجزاءَ الذي هو الحُسْنى في أعلَى درجاتِ الجنة، لأنه مؤنث أَحْسَن، لِمَنْ قامتْ به حالان: الحال الأولى: إيمانٌ صادقُ تتطهَّر فيه النّفْسُ والعقلُ والقلبُ من شِرك الجاهلية وأوهامِه. والحال الثانية: عملٌ صالحٌ يزكى [؟يُزَكِّي] النفْسَ، ويَنفَع الجَمْعَ، ويكون فيه خيرٌ للناس...
{وسنقولُ له مِنْ أَمْرِنا يُسْراً} القولُ اليُسْرُ هو هذا القول الذي... يُسَهِّلُ له أسبابَ الوصولِ والتّمكينِ والحُكْمِ، والقولُ المُشجِّعُ على الخير مِن مَلِكٍ عادلٍ يُدْنِي المُصلِحَ الصّالحَ، ويُبعِدُ المُفسِدَ الفاسدَ...
{فله جزاء الحُسْنى... وسنقولُ له مِنْ أمْرِنا يُسْراً}... وهذه الآية تضع لنا أساسَ عمليّةِ الجزاءِ التي هي ميزانُ المجتمعِ وسببُ نهضتِه، فمجتمعٌ بلا جزاءاتٍ تُثِيبُ المُجِدَّ وتُعاقبُ المُقَصِّرَ مجتمعٌ ينتهي إلى الفوضى والتّسَيُّبِ...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} في ما يمثله ذلك من التكامل بين الحالة الفكرية في العقيدة وبين الحالة العملية في الاستقامة على خط الإيمان بالعمل الصالح الذي يمثل المفردات التشريعية في دائرة رضا الله، {فَلَهُ جَزَآءً الْحُسْنَى} أي فله المثوبة الحسنى جزاء عمله وإيمانه، ونضعه في المركز الكبير في الحياة الاجتماعية، ليكون ذلك تشجيعاً للمحسنين على إحسانهم، وللآخرين على الأخذ بأسباب ذلك. {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} في ما يعنيه القول من التكليف بالأعمال اليسيرة التي لا تشق عليه، لأن الجهد الذي بذله في الانضباط والالتزام بالسير على الخط المستقيم، يفرض التخفيف عليه. وربما كانت كلمة اليسر كنايةً عن المعاملة الطيبة التي تجعل للمحسنين موضعاً للإكرام والاحترام...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
أي أنّنا سنتعامل معهُ بالقول الحسن، فضلا عن أنّنا سنخفف عنهُ ولا نجعلهُ يواجه المشاكل والصعاب، بالإِضافة إلى أنّنا سوف لن نجبي مِنهُ ضرائب كثيرة. والظاهر أنَّ ذا القرنين أراد مِن ذلك أن الناس سينقسمون مقابل دعوتي إلى التوحيد والإِيمان والنهي عن الظلم والفساد إلى مجموعتين، الأُولى: هي المجموعة التي سترحب ببرنامجه الإِلهي ودعوته للتوحيد والإِيمان وهذه ستجزى بالحسنى وستعيش حياة آمنة ومطمئنة. أمّا الثّانية: فستتخذ موقفاً عدائياً مِن دعوة ذي القرنين وتقف في الجبهة المناوئة، وتستمر في شركها وظلمها، وتواصل فسادها. وهي لذلك ستعاقب نتيجة موقفها هذا أشدّ العقاب. وبمقارنة قوله: (مَن ظلم) وقوله: (مَن آمن وعمل صالحاً) يتبيّن لنا أنَّ الظلم يعني هنا الشرك والعمل غير الصالح الذي يُعدُّ مِن ثمار شجرة الشرك المشؤومة...