تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِن يُوحَىٰٓ إِلَيَّ إِلَّآ أَنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (70)

ولهذا قال : { إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي : ظاهر النذارة ، جليها ، فلا نذير أبلغ من نذارته صلى اللّه عليه وسلم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِن يُوحَىٰٓ إِلَيَّ إِلَّآ أَنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (70)

وجملة { إِن يوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } معترضة بين إيراد اختصامهم على سبيل الإِجمال ، ثم إيراده فى الآيات الآتية بعد ذلك على سبيل التفصيل .

و " إن " نافية ونائب فاعل " يوحى " ضمير تقدير هو يعود على المفهوم مما سبق . وهو شأن الملأ الأعلى ، و " أنما " بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل .

أى : ليس لى من علم بما يدور فى الملأ الأعلى إلا عن طريق الوحى ، وهذا الوحى لا ينزل على إلا من أجل أنى رسول من عند الله - تعالى - أنذركم بما يكلفنى به إنذاراً واضحا بينا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن يُوحَىٰٓ إِلَيَّ إِلَّآ أَنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (70)

65

وقل لهم : إن ما جئتهم به وما يعرضون عنه أكبر وأعظم مما يظنون . وإن وراءه ما وراءه مما هم عنه غافلون :

( قل : هو نبأ عظيم . أنتم عنه معرضون ) . .

وإنه لأمر أعظم بكثير من ظاهره القريب . إنه أمر من أمر الله في هذا الوجود كله . وشأن من شؤون هذا الكون بكامله . إنه قدر من قدر الله في نظام هذا الوجود . ليس منفصلاً ولا بعيداً عن شأن السماوات والأرض ، وشأن الماضي السحيق والمستقبل البعيد .

ولقد جاء هذا النبأ العظيم ليتجاوز قريشاً في مكة ، والعرب في الجزيرة ، والجيل الذي عاصر الدعوة في الأرض . ليتجاوز هذا المدى المحدود من المكان والزمان ؛ ويؤثر في مستقبل البشرية كلها في جميع أعصارها وأقطارها ؛ ويكيف مصائرها منذ نزوله إلى الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ولقد نزل في أوانه المقدر له في نظام هذا الكون كله ، ليؤدي دوره هذا في الوقت الذي قدره الله له .

ولقد حول خط سير البشرية إلى الطريق الذي خطته يد القدر بهذا النبأ العظيم . سواء في ذلك من آمن به ومن صدّ عنه . ومن جاهد معه ومن قاومه . في جيله وفي الأجيال التي تلته . ولم يمر بالبشرية في تاريخها كله حادث أو نبأ ترك فيها من الآثار ما تركه هذا النبأ العظيم .

ولقد أنشأ من القيم والتصورات ، وأرسى من القواعد والنظم في هذه الأرض كلها ، وفي أجيال البشرية جميعها ، ما لم يكن العرب يتصورونه ولو في الخيال !

وما كانوا يدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ إنما جاء ليغير وجه الأرض ؛ ويوجه سير التاريخ ؛ ويحقق قدر الله في مصير هذه الحياة ؛ ويؤثر في ضمير البشرية وفي واقعها ؛ ويصل هذا كله بخط سير الوجود كله ، وبالحق الكامن في خلق السماوات والأرض وما بينهما . وأنه ماض كذلك إلى يوم القيامة . يؤدي دوره في توجيه أقدار الناس وأقدار الحياة .

والمسلمون اليوم يقفون من هذا النبأ كما وقف منه العرب أول الأمر . لا يدركون طبيعته وارتباطها بطبيعة الوجود ؛ ولا يتدبرون الحق الكامن فيه ليعلموا أنه طرف من الحق الكامن في بناء الوجود ؛ ولا يستعرضون آثاره في تاريخ البشرية وفي خط سيرها الطويل استعراضاً واقعياً ، يعتمدون فيه على نظرة مستقلة غير مستمدة من أعداء هذا النبأ الذين يهمهم دائماً أن يصغروا من شأنه في تكييف حياة البشر وفي تحديد خط التاريخ . . ومن ثم فإن المسلمين لا يدركون حقيقة دورهم سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل . وأنه دور ماض في هذه الأرض إلى آخر الزمان . .

ولقد كان العرب الأولون يظنون أن الأمر هو أمرهم وأمر محمد بن عبدالله [ صلى الله عليه وسلم ] واختياره من بينهم ، لينزل عليه الذكر . وكانوا يحصرون همهم في هذه الشكلية . فالقرآن يوجه أنظارهم بهذا إلى أن الأمر أعظم من هذا جداً . وأنه أكبر منهم ومن محمد بن عبد الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأن محمداً ليس إلا حاملاً لهذا النبأ ومبلغاً ؛ وأنه لم يبتدعه ابتداعاً ؛ وما كان له أن يعلم ما وراءه لولا تعليم الله إياه ؛ وما كان حاضراً ما دار في الملأ الأعلى منذ البدء إنما أخبره الله :

ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون أن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِن يُوحَىٰٓ إِلَيَّ إِلَّآ أَنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (70)

وقوله : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإ الأعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أي : لولا الوحي من أين كنت أدري باختلاف الملأ الأعلى ؟ يعني : في شأن آدم وامتناع إبليس من السجود له ، ومحاجته ربه في تفضيله عليه .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا جهضم اليمامي عن يحيى بن أبي كثير ، عن زيد بن أبي سلام عن أبي سلام عن عبد الرحمن بن عائش عن مالك بن يخامر عن معاذ رضي الله عنه ، قال : احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى قرن الشمس . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا فَثَوّب بالصلاة فصلى وتَجَوّز في صلاته فلما سلم قال : " كما أنتم على مصافكم " . ثم أقبل إلينا فقال : " إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة ، إني قمت من الليل فصليت ما قُدّر لي فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي في أحسن صورة فقال : يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟

قلت لا أدري رب - أعادها ثلاثا - فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري فتجلى لي كل شيء وعرفت فقال : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : في الكفارات . قال : وما الكفارات ؟ قلت نقل الأقدام إلى الجمعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء عند الكريهات . قال : وما الدرجات ؟ قلت : إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة والناس نيام . قال : سل . قلت اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذا أردت فتنة بقوم فتوفني غير مفتون ، وأسألك حبك وحب من يحبك ، وحب عمل يقربني إلى حبك " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها حق فادرسوها وتعلموها " فهو حديث المنام المشهور ومن جعله يقظة فقد غلط وهو في السنن من طرق .

وهذا الحديث بعينه قد رواه الترمذي من حديث " جهضم بن عبد الله اليمامي " به . وقال : " حسن صحيح " وليس هذا الاختصام هو الاختصام المذكور في القرآن فإن هذا قد فسر .