تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِن يُوحَىٰٓ إِلَيَّ إِلَّآ أَنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (70)

قوله تعالى : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } { إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ } اختلف في الملأ الأعلى :

قال عامة أهل التأويل : الملأ الأعلى ، هم الملائكة الذين تكلموا في آدم عليه السلام حين قال لهم الرب عز وجل : { إني جاعل في الأرض خليفة } فقالوا عند ذلك : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } الآية [ البقرة : 30 ] وقوله تعالى : { إذ يختصمون } ليس على حقيقة الخصومة ، ولكن على التكلم في ذلك كقوله { يتنازعون فيها } [ الطور : 23 ] كأنها ليست على التنازع المعروف عند الناس والخصومة ، ولكن على اختلاف الأيدي .

فعلى ذلك ما ذكر من اختصامهم ، والله أعلم . ومعناه : { ما كان لي من علم } من اختصام الملإ الأعلى ، وما كان منهم من التكلم إلا أن أوحي إلي ، فعلمت ، وأنما { أنا نذير مبين } .

قال بعضهم : { ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون } وما كان اختصامهم في الكفارات وفي الدرجات وفي المنجيات والموبقات حتى علمني الله ذلك بالوحي إلي ، وأعلمني ذلك .

ويذكرون " أن الكفارات ، هي إسباغ الوضوء في المكاره ، وبذل الطعام عند الضيق والشدائد " [ بنحو البزار في كشف الأستار : 2129 ] ونحوها مما يطول ذكره ، والله أعلم .

وجائز أن يكون قوله عز وجل : { ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون } أي بالجمع الأعلى ، وهو جمع يوم القيامة سماه الجمع الأعلى لأنه جمع الأولين والآخرين من الفرق جميعا ؛ أي ما كان لي من علم بذلك الجمع حتى علمت بالوحي .

وقوله عز وجل : { إذ يختصمون } في ذلك اليوم تقع الخصومات كقوله عز وجل : { ثم إنكم يوم القيامة عن ربكم تختصمون } [ الزمر : 31 ] وهو على حقيقة الخصومة .

وجائز أن يكون الملأ الأعلى ، هم الأشراف من أولئك الكفرة والقادة ، منهم الذين أهلكوا بالتكذيب ومن نجا منهم بالتصديق ، فيقول : ما كان لي من علم بهم ، وما نزل بهم أوحي إلي ، فعلمت بالوحي .

كأنهم سألوه عن ذلك . فأخبر أني كنت كواحد منكم في ذلك حتى عملت ذلك بالوحي { إلا أنما أنا نذير مبين } أمرني ربي ، وأوحى إلي أن أنذركم بذلك متى أعلم بالوحي ، والله أعلم .