{ إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان } .
أى : أن هذا المصير السئ والعذاب المهين هو للذين ظلموا أنفسهم بترك الهجرة إلى المسلمين مع قدرتهم عليها ، لكن هناك طوائف من الناس خارجون من هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم ومن هذا المصير الأليم ، وهم أولئك الرجال الذين عجزوا حقا عن الهجرة لضعفهم أو مرضهم أو شيخوختهم . . . أو النساء اللائى لا يستطعن الخروج وحدهن خشية من الاعتداء عليهن أو الوالدان الذين لم يبلغوا الحلم بعد ، أو بلغوا بلوغا قريبا لكنهم لا يستطيعون الهجرة بمفردهم لقلة ذات يدهم أو لغير ذلك من الأعذار الصحيحة .
وقوله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } جملة مستأنفة موضحة لمعنى الاستضعاف .
حتى لا يتوهم متوهم أن استضعاف هؤلاء كالاستضعاف الذى تذرع به أولئك الذين ظلموا أنفسهم عندما قالوا - كما حكى القرآن عنهم - { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض } . ويصح أن تكون حالا من المستضعفين .
أى : ليس مندرجا مع الذين ظلموا أنفسهم فاستحقوا المصير السئ أولئك الضعفاء من الرجال والنساء والولدان ؛ لأنهم { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } فى الخروج ؛ إذ لا قوة لهم على الخروج ولا نفقة معهم توصلهم مبتغاهم { وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } أى : ولا يعرفون الطريق التى توصلهم إلى دار هجرتهم .
قال القرطبى : والحيلة : لفظ عام لأنواع أسباب التخلص . والسبيل : سبيل المدينة . فيما ذكر مجاهد والسدى وغيرهما والصواب أنه عام فى جميع السبل .
والاستثناء فى قوله { إِلاَّ المستضعفين } منقطع - على الصحيح - لأن هؤلاء الذين قعدوا عن الجرة لعجزهم ، خارجون من أولئك الذين ظلموا أنفسهم بقعودهم عن الهجرة مع قدرتهم على ذلك .
وفى ذكر الوالدان مبالغة فى أمر الهجرة حتى لكأنها لو استطاعها غير المكلفين لقاموا بها ، وإشعار بأن على أوليائهم أن يهاجروا بهم معهم متى تمكنوا من ذلك .
ثم يستثني من لا حيلة لهم في البقاء في دار الكفر ؛ والتعرض للفتنة في الدين ؛ والحرمان من الحياة في دار الإسلام من الشيوخ الضعاف ، والنساء والأطفال ؛ فيعلقهم بالرجاء في عفو الله ومغفرته ورحمته . بسبب عذرهم البين وعجزهم عن الفرار :
( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ، وكان الله عفوا غفورًا ) . .
ويمضي هذا الحكم إلى آخر الزمان ؛ متجاوزا تلك الحالة الخاصة التي كان يواجهها النص في تاريخ معين ، وفي بيئة معينة . . يمضي حكما عاما ؛ يلحق كل مسلم تناله الفتنة في دينه في أية أرض ؛ وتمسكه أمواله ومصالحه ، أو قراباته وصداقاته ؛ أو إشفاقه من آلام الهجرة ومتاعبها . متى كان هناك - في الأرض في أي مكان - دار للإسلام ؛ يأمن فيها على دينه ، ويجهر فيها بعقيدته ، ويؤدي فيها عباداته ؛ ويحيا حياة إسلامية في ظل شريعة الله ، ويستمتع بهذا المستوى الرفيع من الحياة . .
وقوله : { إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ [ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا{[8150]} ] } هذا عذر من الله تعالى لهؤلاء في ترك الهجرة ، وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق ، ولهذا قال : { لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا } قال مجاهد وعكرمة ، والسدي : يعني طريقا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.