{ 28 - 30 } { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ }
يقول تعالى - مبينا حال المكذبين لرسوله من كفار قريش وما آل إليه أمرهم : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا } ونعمة الله هي إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ، يدعوهم إلى إدراك الخيرات في الدنيا والآخرة وإلى النجاة من شرور الدنيا والآخرة ، فبدلوا هذه النعمة بردها ، والكفر بها والصد عنها بأنفسهم .
{ و } صدهم غيرهم حتى { أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } وهي النار حيث تسببوا لإضلالهم ، فصاروا وبالا على قومهم ، من حيث يظن نفعهم ، ومن ذلك أنهم زينوا لهم الخروج يوم " بدر " ليحاربوا الله ورسوله ، فجرى عليهم ما جرى ، وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم في تلك الوقعة .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك مصير الجاحدين الذين قابلوا نعم الله بالكنود والجحود ، وأمر المؤمنين بأداء ما كلفهم به - سبحانه - من عبادات وقربات ، وساق لهم ألوانا من الآلاء التى تفضل بها على عباده ، فقال - تعالى - :
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ . . . } .
قوله - سبحانه - { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً . . } الخطاب فيه للنبى - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يصلح للخطاب .
والاستفهام للتعجيب من أحوالهم الذميمة .
وبدلوا من التبديل بمعنى التغيير والتحويل ، والمراد به : وضع الشئ فى غير وضعه ومقابلة نعم الله بالجحود وعدم الشكر .
ونعمة الله التى بدلوها ، تشمل كفرهم بالرسول - صلى الله عليه وسلم - الذى أرسله الله - تعالى - لإِخراجهم من الظلمات إلى النور ، كما تشمل إكرام الله لهم - أى لهم مكة - بأن جعلهم فى حرم آمن ، وجعلهم سدنة بينة . . ولكنهم لم يشكروا الله على هذه النعم ، بل أشركوا معه فى العبادة آلهة أخرى .
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : " قوله : { بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله } لأن شكرها الذى وجب عليهم وضعوا مكانه كفرا ، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلا .
وهم أهل مكة أسكنهم الله حرمه ، وجعلهم قوام بينه ، وأكرمهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر العظيم ، أو أصابهم الله بالنعمة فى الرخاء والسعة لإِيلافهم الرحلتين ، فكفروا نعمته ، فضربهم بالقحط سبع سنين ، فحصل لهم الكفر بدل النعمة ، وكذلك حين أسروا وقتلوا يوم بدر ، قد ذهبت النعمة عنهم ، وبقى الكفر طوقا فى أعناقهم . . "
وقال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : " قال البخارى قوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً . . } حدثنا على بن عبدالله حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء ، سمع ابن عباس قال : هم كفار أهل مكة .
ثم قال ابن كثير : وهذا هو الصحيح ، وإن كان المعنى يعم جميع الكفار ، فإن الله - تعالى - " بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ، ونعمة للناس ؛ فمن قبلها وقام بشكرها دخل الجنة ، ومن ردها وكفرها دخل النار . . " .
وما ذهب إليه صاحب الكشاف وابن كثير - رحمهما الله - هو الذى تطمئن إليه النفس ، لأن مشركى مكة ومن سار على شاكلتهم تنطبق عليهم هذه الآية الكريمة .
وقد أورد بعض المفسرين هنا روايات فى أن المراد بهؤلاء الذين بدلوا نعمة الله كفراً ، بنو أمية وبنو مخزوم . . ولكن هذه الروايات بعيدة عن الصواب ، ولا سند لها من النقل الصحيح .
وقوله { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ البوار } معطوف على { بدلوا } لبيان رذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة والمراد بقومهم : أتباعهم وشركاؤهم فى الكفر والعناد حتى ماتوا على ذلك .
والبوار : الهلاك والخسران ، ويطلق أيضا على الكساد . يقال : بار المتاع بوارا ، إذا كسد ، إذ الكاسد فى حكم الهالك .
والمعنى : ألم تر - أيها العاقل - إلى حال هؤلاء المشركين ، الذين قابلوا نعم الله عليهم بالكفر والجحود ، وكانوا سببا فى إنزال قومهم دار الهلالك والخسران .
( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ، جهنم يصلونها ، وبئس القرار ؟ ! )
( وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله . قل : تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ) . .
ألم تر إلى هذا الحال العجيب . حال الذين وهبوا نعمة الله ، ممثلة في رسول وفي دعوة إلى الإيمان ، وفي قيادة إلى المغفرة ، وإلى مصير في الجنة . . فإذا هم يتركون هذا كله ويأخذون بدله( كفرا ) ! أولئك هم السادة القادة من كبراء قومك - مثلهم مثل السادة القادة من كل قوم
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ بَدّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ }
يقول تعالى ذكره : ألم تنظر يا محمد إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا يقول : غيروا ما أنعم الله به عليهم من نعمه ، فجعلوها كُفرا به . وكان تبديلهم نعمة الله كفرا في نبيّ الله محمد صلى الله عليه وسلم ، أنعم الله به على قريش ، فأخرجه منهم وابتعثه فيهم رسولاً ، رحمة لهم ونعمة منه عليهم ، فكفروا به ، وكذّبوه ، فبدّلوا نعمة الله به كفرا . وقوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ يقول : وأنزلوا قومهم من مُشركي قريش دار البوار ، وهي دار الهلاك ، يقال منه : بار الشيء يَبُورُ بَوْرا : إذا هلك وبطل ومنه قول ابن الزّبعري ، وقد قيل إنه لأبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب :
يا رَسُولَ المَلِيكِ إنّ لِسانِي *** رَاتِقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ
ثم ترجم عن دار البوار وما هي ، فقيل : جَهَنّمَ يَصْلَوْنَهاوَبئْسَ القَرَارِ يقول : وبئس المستقرّ هي جهنم لمن صلاها . وقيل : إن الذين بدّلوا نعمة الله كفرا : بنو أمية ، وبنو مخزوم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار وأحمد بن إسحاق ، قالا : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف بن سعد ، عن عمر بن الخطاب ، في قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنّمَ قال : هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة ، وبنو أمية فأما بنو المغيرة فكُفيتُمُوهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتّعوا إلى حين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : أخبرنا حمزة الزيات ، عن عمرو بن مرّة ، قال : قال ابن عباس لعمر رضي الله عنهما : يا أمير المؤمنين ، هذه الاَية : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ ؟ قال : هم الأفجران من قريش أخوالي وأعمامك ، فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر ، وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذي مرّ ، عن عليّ : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : الأفجران من قريش .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذي مرّ ، عن عليّ ، مثله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان وشريك ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو ذي مرّ ، عن عليّ ، قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : بنو المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمُتّعوا إلى حين .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت عمرا ذا مرّ ، قال : سمعت عليّا يقول في هذه الاَية : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : الأفجران من بني أسد وبني مخزوم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن أبي الطفيل ، عن عليّ ، قال : هم كفار قريش . يعني في قوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنّمَ .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن أبي الطفيل أنه سمع عليّ بن أبي طالب ، وسأله ابن الكوّاء عن هذه الاَية : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم كفار قريش يوم بدر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، عن شعبة ، عن القاسم بن أبي بزّة ، قال : سمعت أبا الطفيل ، قال : سمعت عليّا ، فذكر نحوه .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن مسلم البطين ، عن أبي أرطأة ، عن عليّ في قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : هم كفّار قريش . هكذا قال أبو السائب مسلم البطين عن أبي أرطأة .
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، قال : حدثنا إسماعيل بن سميع ، عن مسلم بن أرطأة ، عن عليّ ، في قوله تعالى : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : كفار قريش .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي الطفيل ، عن عليّ ، قال في قول الله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم كفار قريش .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بَزة ، قال : سمعت أبا الطفيل يحدّث ، قال : سمعت عليّا يقول في هذه الاَية : أَلَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : كفار قريش يوم بدر .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا بسام الصّيرفيّ ، قال : حدثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة ، ذكر أن عليّا قام على المنبر فقال : سلوني قبل أن لا تسألوني ، ولن تسألوا بعدي مثلي فقام ابن الكوّاء فقال : من الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ ؟ قال : منافقو قريش .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا بسام ، عن رجل قد سماه الطنافسيّ ، قال : جاء رجل إلى عليّ ، فقال : يا أمير المؤمنين : من الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًاوأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ ؟ قال : في قريش .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا بسام الصيرفيّ ، عن أبي الطفيل ، عن عليّ أنه سئل عن هذه الاَية : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : منافقو قريش .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، أن ابن عباس قال في قوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم المشركون من أهل بدر .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الجبار ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، قال : سمعت عطاء يقول : سمعت ابن عباس يقول : هم والله أهل مكة الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا صالح بن عمر ، عن مطرف بن طريف ، عن أبي إسحاق قال : سمعت عمرا ذا مرّ يقول : سمعت عليّا يقول على المنبر ، وتلا هذه الاَية : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ . قال : هما الأفجران من قريش فأما أحدهما فقطع الله دابرهم يوم بدر وأما الاَخر فمُتّعوا إلى حين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : كفار قريش .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن مجاهد ، قال : كفار قريش .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا كفار قريش .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء ، قال : سمعت ابن عباس يقول : هم والله الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُم دَارَ البَوَارِ قريش . أو قال : أهل مكة .
حدثنا ابن وكيع وابن بشار ، قالا : حدثنا غُنْدر ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الاَية : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : قتلى يوم بدر .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم كفار قريش .
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، قالا : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا هشيم ، عن حُصَين ، عن أبي مالك وسعيد بن جبير ، قالا : هم قتلى بدر من المشركين .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس في : الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم والله أهل مكة . قال : أبو كريب : قال سفيان : يعني كفارهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، في قوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم المشركون من أهل بدر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن بعض أصحاب عليّ ، عن عليّ ، في قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : هم الأفجران من قريش من بني مخزوم وبني أمية أما بنو مخزوم فإن الله قطع دابرهم يوم بدر وأما بنو أمية فمُتّعوا إلى حين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : أخبرنا خالد ، عن حصين ، عن أبي مالك ، في قول الله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا قال : هم القادة من المشركين يوم بدر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن حصين ، عن أبي مالك وسعيد بن جبير ، قالا : هم كفار قريش من قُتل ببدر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : هم كفار قريش ، من قُتل ببدر .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا . . . الاَية ، قال : هم مشركو أهل مكة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، قال : أخبرني محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار ، قال : نزلت هذه الاَية في الذين قُتلوا من قريش : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ . . . الاَية .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ كنا نحدّث أنهم أهل مكة : أبو جهل وأصحابه الذين قتلهم الله يوم بدر ، قال الله : جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها وَبئْس القَرَارُ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هم قادة المشركين يوم بدر ، أحلوا قومهم دار البوار جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : هؤلاء المشركون من أهل بدر .
حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن ابن عباس ، قوله : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها فهو جبلة بن الأيهم ، والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : أحلوا من أطاعهم من قومهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن عباس : دَارَ البَوَارِ قال : الهلاك . قال ابن جريج ، قال مجاهد : وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ قال : أصحاب بدر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : دَارَ البَوَارِ النار . قال : وقد بَيّن الله ذلك وأخبرك به ، فقال : جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ القَرَارُ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : دَارَ البَوَارِ جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها هي دارهم في الاَخرة .
أعقب تمثيل الدينين ببيان آثارهما في أصحابهما . وابتُدىء بذكر أحوال المشركين لأنها أعجب والعبرة بها أولى والحذر منها مقدّم على التحلي بضدها ، ثم أعقب بذكر أحوال المؤمنين بقوله : { قل لعبادي الذين آمنوا } الخ .
والاستفهام مستعمل في التشويق إلى رؤية ذلك .
والرؤية هنا بصرية لأن متعلقها مما يرى ، ولأن تعدية فعلها ب { إلى } يرجح ذلك ، كما في قوله : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } [ سورة البقرة : 258 ] .
وقد نزل المخاطب منزلة من لم ير . والخطاب لمن يصح منه النظر إلى حال هؤلاء الذين بدلوا نعمة الله مع وضوح حالهم .
والكفر : كفران النعمة ، وهو ضد الشكر ، والإشراك بالله من كفران نعمته .
وفي قوله : { بدلوا نعمة الله كفراً } محسن الاحتباك . وتقدير الكلام : بدلوا نعمة الله وشُكرَها كفراً بها ونقمةً منه ، كما دل عليه قوله : { وأحلوا قومهم دار البوار } الخ .
واستعير التبديل لوضع الشيء في الموضع الذي يستحقه شيء آخر ، لأنه يشبه تبديل الذات بالذات .
والذين بدلوا هذا التبديل فريق معرفون ، بقرينة قوله : { ألم تر إلى الذين } ، وهم الذين تلقوا الكلمة الخبيثة من الشيطان ، أي كلمة الشرك ، وهم الذين استكبروا من مشركي أهل مكة فكابروا دعوة الإسلام وكذّبوا النبي صلى الله عليه وسلم وشرّدوا من استطاعوا ، وتسببوا في إحلال قومهم دار البوار ، فإسناد فعل { أحلوا } إليهم على طريقة المجاز العقلي .
ونعمة الله التي بدلوها هي نعمة أن بوّأهُم حرمه ، وأمنهم في سفرهم وإقامتهم ، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ، وسلمهم مما أصاب غيرهم من الحروب والغارات والعدوان ، فكفروا بمن وهبهم هذه النعم وعبدوا الحجارة . ثم أنعم الله عليهم بأن بعث فيهم أفضل أنبيائه صلى الله عليهم جميعاً وهداهم إلى الحق ، وهيّأ لهم أسباب السيادة والنجاة في الدنيا والآخرة ، فبدّلو شكر ذلك بالكفر به ، فنعمة الله الكبرى هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوة إبراهيم وبنيّته عليهم السلام .
وقومهم : هم الذين اتبعوهم في ملازمة الكفر حتى ماتوا كفاراً ، فهم أحق بأن يضافوا إليهم .
والبوار : الهلاك والخسران . وداره : محله الذي وقع فيه .
والإحلال بها الإنزال فيها ، والمراد بالإحلال التسبب فيه ، أي كانوا سبباً لحلول قومهم بدار البوار ، وهي جهنم في الآخرة ، ومواقع القتل والخزي في الدنيا مثل : موقع بدر ، فيجوز أن يكون { دار البوار } جهنم ، وبه فسر علي وابن عبّاس وكثير من العلماء ، ويجوز أن تكون أرض بدر وهو رواية عن علي وعن ابن عباس .
واستعمال صيغة المضي في { أحلوا } لقصد التحقيق لأن الإحلال متأخر زمنه فإن السورة مكية .
والمراد ب { الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار } صناديد المشركين من قريش ، فعلى تفسير { دار البوار } بدار البوار في الآخرة يكون قوله { جهنم } بدلاً من { دار البوار } وجملة { يصلونها } حالاً من { جهنم } ، فتخص { دار البوار } بأعظم أفرادها وهو النار ، ويجعل ذلك من ذكر بعض الأفراد لأهميته .
{ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا} [إبراهيم: 28].
- ابن كثير: روى مالك في تفسيره، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه في قوله: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا} قال: هم كفار قريش الذين قتلوا يوم بدر...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ألم تنظر يا محمد إلى "الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا "يقول: غيروا ما أنعم الله به عليهم من نعمه، فجعلوها كُفرا به. وكان تبديلهم نعمة الله كفرا في نبيّ الله محمد صلى الله عليه وسلم، أنعم الله به على قريش، فأخرجه منهم، وابتعثه فيهم رسولاً رحمة لهم ونعمة منه عليهم، فكفروا به وكذّبوه، فبدّلوا نعمة الله به كفرا. وقوله: "وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ" يقول: وأنزلوا قومهم من مُشركي قريش دار البوار، وهي دار الهلاك، يقال منه: بار الشيء يَبُورُ بَوْرا: إذا هلك وبطل... ثم ترجم عن دار البوار وما هي، فقيل: "جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها وَبئْسَ القَرَارِ" يقول: وبئس المستقرّ هي جهنم لمن صلاها...
عن ابن عباس، في قوله: "وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ" قال: هم المشركون من أهل بدر...
عن قتادة، في قوله: "وأحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ" قال: هم قادة المشركين يوم بدر...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً} يعني غيّروا نعمة الله عليهم في تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله منهم وفيهم فكفروا به وكذبوه فيصيروا نعمة الله عليهم كفراً، {وَأَحَلُّواْ}: وأنزلوا {قَوْمَهُمْ} ممن تابعهم على كفرهم...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً} فيهم خمسة أقاويل:
الخامس: أنها عامة في جميع المشركين، قاله الحسن.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{بَدَّلُواْ نِعْمَتَ الله} أي شكر نعمة الله {كُفْراً} لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفراً، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلاً... ووجه آخر: وهو أنهم بدلوا نفس النعمة كفراً على أنهم لما كفروها سلبوها فبقوا مسلوبي النعمة موصوفين بالكفر، حاصلاً لهم الكفر بدل النعمة...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وأحلوا قومهم} أي من أطاعهم، وكان معهم في التبديل، فكأن الإشارة والتعنيف إنما هي للرؤوس والأعلام...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
لما ذكر حال المؤمنين وهداهم، وحال الكافرين وإضلالهم، ذكر السبب في إضلالهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أخبر سبحانه أنه هو الفاعل وحده، أتبعه الدليل عليه وعلى إضلال الذين بدلوا الكلمة الطيبة من التوحيد بالإشراك وزلزلتهم واجتثاث كلمتهم فقال: {ألم تر} وأشار إلى بعدهم عن مقامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: {إلى الذين بدلوا} والتبديل: جعل الشيء مكان غيره {نعمت الله} أي المستجمع لصفات الكمال التي أسبغها عليهم من كلمة التوحيد، وما أورثهم من دين أبيهم إسماعيل عليه السلام ومن جميع النعم الدنيوية من أمن البلد وتيسير الرزق وغير ذلك، بأن جعلوا مكان شكرها {كفراً} وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان، وأعلاهم همماً في الوفاء، وأبعدهم عن الخناء {وأحلوا قومهم} بذلك {دار البوار} أي الهلاك، مع ادعائهم أنهم أذب الناس عن الجار فضلاً عن الأهل...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{أَلَمْ تَرَ} تعجيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد مما صنع الكفرةُ من الأباطيل التي لا تكاد تصدُر عمن له أدنى إدراك...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} وهي النار حيث تسببوا لإضلالهم، فصاروا وبالا على قومهم، من حيث يظن نفعهم، ومن ذلك أنهم زينوا لهم الخروج يوم "بدر "ليحاربوا الله ورسوله، فجرى عليهم ما جرى، وقتل كثير من كبرائهم وصناديدهم في تلك الوقعة...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يبدأ هذا الشوط الثاني من نهاية الشوط الأول،قائما عليه،متناسقا معه،مستمدا منه. لقد تضمن الشوط الأول رسالة الرسول [ص] ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم. ورسالة موسى -عليه السلام- لقومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور،ويذكرهم بأيام الله. فبين لهم وذكرهم بنعمة الله عليهم،وأعلن لهم ما تأذن الله به:لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.. ثم عرض عليهم قصة النبوات والمكذبين. بدأها ثم توارى عن السياق؛ وتابعت القصة أدوارها ومشاهدها حتى انتهت بالكافرين إلى ذلك الموقف،الذي يستمعون فيه من الشيطان عظته البليغة! حيث لا تنفع العظات! فالآن يعود السياق إلى المكذبين من قوم محمد [ص] بعد ما عرض عليهم ذلك الشريط الطويل -أولئك الذين أنعم الله عليهم- فيما أنعم -برسول يخرجهم من الظلمات إلى النور،ويدعوهم ليغفر الله لهم،فإذا هم يكفرون النعمة،ويردونها،ويستبدلون بها الكفر،يؤثرونه على الرسول وعلى دعوة الإيمان.. ومن ثم يبدأ الشوط الثاني بالتعجيب من أمر هؤلاء الذين يبدلون نعمة الله كفرا،ويقودون قومهم إلى دار البوار،كما قاد من قبلهم أتباعهم إلى النار. في قصة الرسل والكفار. ثم يستطرد إلى بيان نعم الله على البشر في أضخم المشاهد الكونية البارزة ويقدم نموذجا لشكر النعمة:إبراهيم الخليل- بعد أن يأمر الذين آمنوا بلون من ألوان الشكر هو الصلاة والبر بعباد الله -قبل أن يأتي يوم لا تربو فيه الأموال. يوم لا بيع فيه ولا خلال. فأما الذين كفروا فليسوا بمتروكين عن غفلة ولا إهمال،إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار.. وأما وعد الله لرسله فهو واقع مهما يمكر الذين كفروا وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.. وهكذا يتماسك الشوط الثاني مع الشوط الأول ويتناسق.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
إن الآية عامة تشمل كل من أنعم الله عليه بنعمة، فبدل أن يضعها في موضعها يتخذها أداة للطغيان والضلال، فتكون كفرا، وأنهم بسبب ذلك الطغيان الذي يستخدمون النعمة طريقا له ويكفرون {وأحلوا قومهم دار البوار}، أي الهلاك، أي ينزلون قومهم من عزة الإنسانية إلى الذل فيكون ذلك طريقا لانحدارهم إلى الهلاك، وأصحاب النعم التي يكفرونها هم الذين يفسدون أقوامهم، ويأخذونهم إلى حيث الفناء، وفناء الأمم والأقوام بشيوع الكفر والجحود فيها...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
مع صلة الآيات بظروف السيرة النبوية فإنها تحتوي تلقينا مستمر المدى في تقرير مسؤولية الزعماء الفاسدين المنحرفين، وما يمكن أن يقترفوه من إثم كبير في توجيه أمتهم على الفساد والانحراف اقتداء بهم أولا، وفي توجيه المسلم إلى وجهة الخير الدائم في عبادة الله وإنفاق المال في شتى وجوه البر وفي السر والعلن ابتغاء رضاء الله ثانيا، مما تكرر كثيرا ومرت منه أمثلة عديدة...
وحين يقول الحق سبحانه: {ألم تر...} فهذا يعني أن المُخبر وهو الحق إذا ما أخبرنا بشيء فهو أصدق من أن تراه أعيننا...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا}، فلم يستجيبوا لما تفرضه عليهم نعمته من مسؤولية الشكر العملي بالإيمان والطاعة، بل عملوا على توجيه النعمة بالاتجاه المعاكس الذي لا يريد الله أن تسير فيه، وحولوها بذلك من مصدر خيرٍ ونجاةٍ للناس، إلى مصدر شرّ وهلاك لهم وللحياة، فضلّوا وأضلّوا {وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} أي دار الهلاك.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الخطاب في هذه الآيات موجّه للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في الحقيقة عرض لواحد من موارد «الشجرة الخبيثة»...
هؤلاء هم جذور الشّجرة الخبيثة وقادة الكفر والانحراف، لديهم أفضل نعمة وهو رسول الله، وباستطاعتهم أن يستفيدوا منه في الطريق إلى السعادة، إلاّ أنّ تعصّبهم الأعمى وعنادهم وحقدهم صارت سبباً في تركهم هذه النعمة الكبيرة، ولم يقتصروا على تركها فحسب. بل أضلّوا قومهم أيضاً ممّا جعلوهم يسلكون هذا السلوك...