ثم بين - سبحانه - سوء عاقبتهم فقال : { فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } .
وقوله : { آسَفُونَا } أى : أغضبونا أشد الغضب ، من أسف فلان أسفا ، إذا اشت غضبه .
أى : فلما أغضبنا فرعون وقومه أشد الغضب ، بسبب إصرارهم على الكفر والفسوق والعصيان ، انتقمنا منهم انتقاما شديدا ، حيث أغرقناهم أجميعن فى اليم .
ثم انتهت مرحلة الابتلاء والإنذار والتبصير ؛ وعلم الله أن القوم لا يؤمنون ؛ وعمت الفتنة فأطاعت الجماهير فرعون الطاغية المتباهي في خيلاء ، وعشت عن الآيات البينات والنور ؛ فحقت كلمة الله وتحقق النذير :
( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ، فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين ) . .
يتحدث الله سبحانه عن نفسه في مقام الانتقام والتدمير ؛ إظهاراً لغضبه ولجبروته في هذا المقام . فيقول : ( فلما آسفونا ) . . أي أغضبونا أشد الغضب . . ( انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ) . . يعني فرعون وملأه وجنده . وهم الذين غرقوا على إثر موسى وقومه
يقول الله تبارك وتعالى : فَلَمّا آسَفُونا يعني بقوله : آسفونا : أغضبونا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَلَمّا آسَفُونا يقول : أسخطونا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، فَلَمّا آسَفُونا يقول : لما أغضبونا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَلَمّا آسَفُونا : أغضبونا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَلَمّا آسَفُونا قال : أغضبوا ربهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَلَمّا آسَفُونا قال : أغضبونا .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَلَمّا آسَفُونا قال : أغضبونا ، وهو على قول يعقوب : يا أسَفِي عَلى يُوسُفَ قال : يا حزَني على يوسف .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ قال : أغضبونا ، وقوله : انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ يقول : انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجّلناه لهم ، فأغرقناهم جميعا في البحر .
عُقب ما مضى من القصة بالمقصود وهو هذه الأمور الثلاثة المترتبة المتفرع بعضها على بعض وهي : الانتقام ، فالإغراق ، فالاعتبار بهم في الأمم بعدَهم .
والأسف : الغَضَب المشوبُ بحُزن وكدَر ، وأطلق على صنيع فرعون وقومه فعل { ءاسفونا } لأنه فعل يترتب عليه انتقام الله منهم انتقاماً كانتقام الآسف لأنهم عصَوا رسوله وصمّموا على شركهم بعد ظهور آيات الصدق لموسى عليه السلام .
فاستعير { ءاسفونا } لمعنى عَصَوْنا للمشابهة ، والمعنى : فلما عصونا عصيان العبدِ ربّه المنعِم عليه بكفران النعمة ، والله يستحيل عليه أن يتصف بالآسف كما يستحيل عليه أن يتصف بالغضب على الحقيقة ، فيؤول المعنى إلى أن الله عاملهم كما يعامل السيدُ المأسوفُ عبداً آسفه فلم يترك لرحمةِ سيده مسلكاً . وفعل أسِف قاصر فعدّي إلى المفعول بالهمزة .
وفي قوله : { فلما ءاسفونا } إيجاز لأن كونهم مؤسِفين لم يتقدم له ذكر حتى يبنى أنه كان سبباً للانتقام منهم فدلّ إناطة أداة التوقيت به على أنه قد حصل ، والتقدير : فآسفونا فلما آسفونا انتقمنا منهم . والانتقام تقدم معناه قريباً عند قوله تعالى : { فإنا منهم منتقمون } [ الزخرف : 41 ] .
وإنما عطف { فأغرقناهم } بالفاء على { انتقمنا منهم } مع أن إغراقهم هو عين الانتقام منهم ، إِمّا لأن فعل { انتقمنا } مؤَوَّل بقدَّرنا الانتقامَ منهم فيكون عطفُ { فأغرقناهم } بالفاء كالعطف في قوله : { أنْ يقول له كُن فيكونُ } [ يس : 82 ] ، وإما أن تُجعل الفاء زائدة لتأكيد تسبب { ءاسفونا } في الإغراق ، وأصل التركيب : انتقمنا منهم فأغرقناهم ، على أن جملة { فأغرقناهم } مبينة لجملة { انتقمنا منهم } فزيدت الفاء لتأكيد معنى التبيين ، وإما أن تجعل الفاء عاطفة جملة { انتقمنا } على جملة { فاستخف قومه } [ الزخرف : 54 ] فأغرقناهم أجمعين } وتكون جملة { انتقمنا } معترضة بين الجملة المفرعة والمفرعة عنها ، وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى : { فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليّم } [ الأعراف : 136 ] .
وفرع على إغراقهم أن الله جعلهم سلفاً لقوم آخرين ، أي يأتون بعدهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.