تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتۡ عَلَيۡنَا شِقۡوَتُنَا وَكُنَّا قَوۡمٗا ضَآلِّينَ} (106)

فحينئذ أقروا بظلمهم ، حيث لا ينفع الإقرار { قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } أي : غلبت علينا الشقاوة الناشئة عن الظلم والإعراض عن الحق ، والإقبال على ما يضر ، وترك ما ينفع ، { وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ } في عملهم ، وإن كانوا يدرون أنهم ظالمون ، أي : فعلنا في الدنيا فعل التائه ، الضال السفيه ، كما قالوا في الآية الأخرى : { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتۡ عَلَيۡنَا شِقۡوَتُنَا وَكُنَّا قَوۡمٗا ضَآلِّينَ} (106)

وكأنهم قد خيل إليهم - بعد هذا السؤال التوبيخى ، أنهم قد أذن لهم فى الكلام ، وأن اعترافهم بذنوبهم قد ينفعهم فيقولون - كما حكى القرآن عنهم - : { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا . . } أى : يا ربنا تغلبت علينا أنفسنا الأمارة بالسوء ، فصرفتنا عن الحق ، وتغلبت علينا ملذاتنا وشهواتنا وسيئاتنا التى أفضت بنا إلى هذا المصير المؤلم { وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } عن الهدى والرشاد ، بسبب شقائنا وتعاستنا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتۡ عَلَيۡنَا شِقۡوَتُنَا وَكُنَّا قَوۡمٗا ضَآلِّينَ} (106)

قالُوا رَبّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : غَلَبَت عَلَيْنا شِقْوَتُنا بكسر الشين ، وبغير ألف . وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة : «شَقاوَتُنا » بفتح الشين والألف .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ، وقرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وتأويل الكلام : قالوا : ربنا غلبت علينا ما سبق لنا في سابق علمك وخطّ لنا في أمّ الكتاب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد ، قوله : غَلَبْتَ عَلَيْنا شِقْوَتُنا قال : التي كتبت علينا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا التي كتبت علينا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

وقال : قال ابن جريج : «بلغنا أن أهل النار نادوا خَزَنة جهنم : أنُ ادْعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فلم يجيبوهم ما شاء الله فلما أجابوهم بعد حين قالوا : ادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال . قال : ثم نادوا مالكا : يا مالك ليقضِ علينا ربك فسكت عنهم مالك خازن جهنم أربعين سنة ، ثم أجابهم فقال : إنّكُمْ ماكِثُونَ . ثم نادى الأشقياء ربهم ، فقالوا : رَبّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وكُنّا قَوْما ضَالّينَ رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها فإنْ عُدْنا فإنّا ظالِمُونَ فسكت عنهم مثل مقدار الدنيا ، ثم أجابهم بعد ذلك تبارك وتعالى : اخْسَئُوا فِيها وَلا تُكَلّمُونِ .

قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، قال : «ينادِي أهل النار أهل الجنة فلا يجيبونهم ما شاء الله ، ثم يقول : أجيبوهم وقد قطع الرّحِمَ والرحمة . فيقول أهل الجنة : يا أهل النار عليكم غضب الله يا أهل النار عليكم لعنة الله يا أهل النار ، لا لَبّيْكم ولا سَعْدَيْكم ماذا تقولون ؟ فيقولون : ألم نك في الدنيا آباءكم وأبناءكم وإخوانكم وعشيرتكم ؟ فيقولون : بلى . فيقولون : أفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ المَاءِ أوْ مِما رَزَقَكُمُ اللّهُ قالُوا إنّ اللّهَ حَرّمَهُما عَلى الكافِرِينَ » .

قال : ثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القُرَظيّ قال : وثني عَبْدة المُرُوزِيّ ، عن عبد الله بن المبارك ، عن عمرو بن أبي ليلى ، قال : سمعت محمد بن كعب ، زاد أحدهما على صاحبه ، قال محمد بن كعب : بلغني ، أو ذُكر لي ، أن أهل النار استغاثوا بالخَزَنة ، ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فردّوا عليهم ما قال الله فلما أيسوا نادَوا : يا مالك وهو عليهم ، وله مجلس في وسطها ، وجسور تمرّ عليها ملائكة العذاب ، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا : يا مالك ، ليقض علينا ربك سألوا الموت . فمكث لا يجيبهم ثمانين ألفَ سنة من سني الاَخرة ، أو كما قال . ثم انحطّ إليهم ، فقال : إنّكُمْ ماكثونَ فلما سمعوا ذلك قالوا : فاصبروا ، فلعلّ الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله قال : فصَبَروا ، فطال صبرهم ، فنادَوا : سَوَاءٌ عَلَيْنا أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ : أي مَنْجًى ، فقام إبليس عند ذلك فخطبهم ، فقال : إنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقّ ، وَوَعَدْتُكُمْ فَأخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ ، فلما سمعوا مقالتهم ، مَقَتُوا أنفسهم ، قال : فُنودوا : لَمَقْتُ اللّهِ أكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أنْفُسَكُمْ إذْ تُدْعُوْنَ إلى الاْيمَانِ فَتَكْفُرُونَ قالُوا رَبّنا أمَتّنَا . . . الاَية ، قال : فيجيبهم الله فيها : ذَلَكُمْ بأنّهُ إذَا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإنْ يُشْرَكْ بِهه تُؤْمِنُوا فالحُكْمُ لِلّهِ العَليّ الكَبِيرِ . قال : فيقولون : ما أيسنا بعدُ قال : ثم دَعَوا مرّة أخرى ، فيقولون : رَبّنا أبْصَرْنا وَسمِعْنا فارْجِعْنا نَعْمَلْ صَالِحا إنّا مُوقِنُونَ قال : فيقول الربّ تبارك وتعالى : وَلَوْ شِئْنا لاَتَيْنا كُلّ نَفْسٍ هُدَاها يقول الربّ : لو شئت لهديت الناس جميعا فلم يختلف منهم أحد ولكنْ حَقّ القَوْلُ مِنّي لاَءَمْلأَنّ جَهَنّمَ مِنَ الجِنّةِ والنّاسِ أجَمعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا يقول : بما تركتم أن تعملوا ليومكم هذا ، إنّا نَسِيناكُمْ : أي تركناكم ، وَذُوقُوا عَذَابَ الخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . قال : فيقولون : ما أيسنا بعد قال : فيدعون مرّة أخرى : رَبّنا أخّرْنا إلى أجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتّبِعِ الرّسُلَ قال : فيقال لهم : أوَ لَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ . . . الاَية ، قال : فيقولون : ما أيسنا بعد ثم قالوا مرّة أخرى : رَبّنا أخْرِجْنا نَعْمَلْ صَالِحا غيرَ الّذِي كُنّا نَعْمَلُ ، قال : فيقول : أوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِيهِ مِنْ تَذَكّرَ وَجاءَكُمُ النّذِيرُ . . . إلى : نَصِيرٍ . ثم مكث عنهم ما شاء الله ، ثم ناداهم : أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذّبُونَ فلما سمعوا ذلك قالوا : الاَن يرحمنا فقالوا عند ذلك : رَبّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا : أي الكتاب الذي كتب علينا وكُنّا قَوْما ضَالّينَ رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها . . . الاَية ، فقال عند ذلك : اخْسَئُوا فِيها وَلا تُكَلّمُونِ قال : فلا يتكلمون فيها أبدا . فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم ، وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض ، فأَطْبَقت عليهم . قال عبد الله بن المبارك في حديثه : فحدثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه قال : فذلك قوله : هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، أنه قال : فوالذي أنزل القرآن على محمد والتوراة على موسى والإنجيل على عيسى ، ما تكلم أهل النار كلمة بعدها إلا الشهيق والزّعيق في الخلد أبدا ليس له نفاد .

قال : ثني حجاج ، عن أبي معشر ، قال : كنا في جنازة ومعنا أبو جعفر القارىء ، فجلسنا ، فتنحى أبو جعفر ، فبكى ، فقيل له : ما يبكيك يا أبا جعفر ؟ قال : أخبرني زيد بن أسلم أن أهل النار لا يتنفسون .

وقوله : وكُنّا قَوْما ضَالّينَ يقول : كنا قوما ضَلَلْنا عن سبيل الرشاد وقصد الحقّ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتۡ عَلَيۡنَا شِقۡوَتُنَا وَكُنَّا قَوۡمٗا ضَآلِّينَ} (106)

وأخبر عنهم تعالى أنهم إذا سمعوا هذا التقرير أذعنوا وأقروا على أنفسهم وسلموا بقولهم { غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين } وقرأ الجمهور «شِقوتنا » بكسر الشين دون ألف بعد القاف وهي قراءة الحرميين ، وقرأ الحمزة والكسائي «شَقاوتنا » بفتح الشين وألف بعد القاف وهي قراءة ابن مسعود ، وخير عاصم في الوجهين وهما مصدران من شقي يشقى{[8550]} .


[8550]:يقال: شقي يشقى شقا وشقاء وشقاوة وشقوة وشقوة، فهذه كلها مصادر للفعل شقي. قال الفراء: إن (شقوة) كثيرة في كلام العرب، وأنشد أبو ثروان: كلف من عنائه وشقوته بنت ثماني عشرة من حجته