تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖ وَمَثَلٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (34)

{ 34 } { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ }

هذا تعظيم وتفخيم لهذه الآيات ، التي تلاها على عباده ، ليعرفوا قدرها ، ويقوموا بحقها فقال : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ } أي : واضحات الدلالة ، على كل أمر تحتاجون إليه ، من الأصول والفروع ، بحيث لا يبقى فيها إشكال ولا شبهة ، { و } أنزلنا إليكم أيضا { مثلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ } من أخبار الأولين ، الصالح منهم والطالح ، وصفة أعمالهم ، وما جرى لهم وجرى عليهم تعتبرونه مثالا ومعتبرا ، لمن فعل مثل أفعالهم أن يجازى مثل ما جوزوا .

{ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } أي : وأنزلنا إليكم موعظة للمتقين ، من الوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، يتعظ بها المتقون ، فينكفون عما يكره الله إلى ما يحبه الله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖ وَمَثَلٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (34)

ثم ختم - سبحانه - هذه التشريعات الحكيمة . والتوجيهات السديدة ، بقوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } . . وقوله { مُّبَيِّنَاتٍ } قرأها بعض القراء السبعة بفتح الياء المشددة ، وقرأها الباقون بكسرها .

فعلى قراءة الفتح يكون المعنى : وبالله لقد أنزلنا إليكم - أيها المؤمنون - فى هذه السورة وغيرها آيات بَيَّنَّا لكم معانيها ، وجعلناها واضحة الدلالة على ما شرعناها لكم من أحكام وآداب وحدود .

وعلى قراءة الكسر يكون المعنى : وبالله لقد أنزلنا إليكم آيات ، هى مبينات موضحات لكل ما أنتم فى حاجة إلى بيانه ومعرفته من آداب وتشريعات ، فإسناد التبيين هنا إلى الآيات على سبيل المجاز .

وقوله : { وَمَثَلاً مِّنَ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ } معطوف على " آيات " . والمراد بالمثل : الأخبار العجيبة التى ذكرها - سبحانه - عن السابقين .

أى ، أنزلنا إليكم آيات واضحات فى ذاتها وموضحة لغيرها . وأنزلنا إليكم - أيضا - قصصا عجيبة ، من أخبار السابقين الذين خلوا من قبلكم ، لتهتدوا بها فيما يقع بينكم من أحداث .

فمثلا : لا تتجبوا من كون عائشة - رضى الله عنها - قد اتهمت بما هى منه بريئة ، فقد اتُّهمت من قبلها مريم بالفعل الفاضح الذى برأها الله تعالى منه ، واتهم يوسف - عليه السلام - : بما هو منه برىء ، وألقى فى السجن بضع سنين مع براءته .

فيوسف ومريم وعائشة ، قد برأهم الله - تعالى - مما رموا به ، وكفى بشهادة الله شهادة .

وقوله { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } أى : وجعلنا هذه الآيات التى أنزلنا إليكم موعظة يتعظ بها المتقون ، الذين صانوا أنفسهم عن محارم الله ، وراقبوه - سبحانه - فى السر والعلن ، فانتفعوا بها دون غيرهم من المفسدين والفاسقين .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف الآيات التى أنزلها على عباده المؤمنين بثلاث صفات . وصفها - أولا - بأنها بينة فى ذاتها أو مبينة لغيرها ، ووصفها - ثانيا - بأنها مشتملة على الأمثال العجيبة لأحوال السابقين ، ووصفها - ثالثا - بأنها موعظة للمتقين الذين تستشعر قلوبهم دائما الخوف من الله - تعالى - .

وما ذكره الله - تعالى - قبل هذه الآية من آداب وأحكام يتناسق مع التعقيب كل التناسق ، ويتجاوب معه كل التجاوب .

وكيف لا يكون كذلك ، والقرآن هو كلام الله الذى أعجز كل البلغاء والفصحاء ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖ وَمَثَلٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (34)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مّبَيّنَاتٍ وَمَثَلاً مّنَ الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لّلْمُتّقِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد أنزلنا إليكم أيها الناس دِلالات وعلامات مبيّنات يقول : مفصّلاتٍ الحقّ من الباطل ، وموضّحات ذلك .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين والبصريين : «مُبَيّناتٍ » بفتح الياء : بمعنى مفصّلات ، وأن الله فصّلَهن وبيّنَهنّ لعباده ، فهنّ مفصّلات مبيّنات . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : مُبَيّناتٍ بكسر الياء ، بمعنى أن الاَيات هن تبين الحقّ والصواب للناس وتهديهم إلى الحقّ .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان ، وقد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، متقاربتا المعنى . وذلك أن الله إذ فصّلها وبيّنها صارت مبيّنة بنفسها الحقّ لمن التمسه من قِبَلها ، وإذا بيّنت ذلك لمن التمسه من قَبِلها فيبين الله ذلك فيها . فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب في قراءته الصواب .

وقوله : وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ من الأمم ، وموعظة لمن اتقى الله ، فخاف عقابه وخشي عذابه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖ وَمَثَلٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمَوۡعِظَةٗ لِّلۡمُتَّقِينَ} (34)

ثم عدد تعالى على المؤمنين نعمه فيها أنزل إليهم من الآيات المنيرات ، وفيما ضرب لهم من أمثال الماضين من الأمم ، ليقع التحفظ مما وقع أولئك فيه وفيما ذكر لهم من المواعظ ، وقرأ جمهور الناس «مبينَّات » بفتح الياء أي بينها الله تعالى وأوضحها ، وقرأ الحسن وطلحة وعاصم والأعمش «مبيِّنات » بكسر الياء أي بينت الحق وأوضحته .