تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

{ 19 - 24 } { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }

يقول تعالى : مفرقا بين أهل العلم والعمل وبين ضدهم : { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ } ففهم ذلك وعمل به . { كَمَنْ هُوَ أَعْمَى } لا يعلم الحق ولا يعمل به فبينهما من الفرق كما بين السماء والأرض ، فحقيق بالعبد أن يتذكر ويتفكر أي الفريقين أحسن حالا وخير مآلا فيؤثر طريقها ويسلك خلف فريقها ، ولكن ما كل أحد يتذكر ما ينفعه ويضره .

{ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } أي : أولو العقول الرزينة ، والآراء الكاملة ، الذين هم لُبّ العالم ، وصفوة بني آدم ، فإن سألت عن وصفهم ، فلا تجد أحسن من وصف الله لهم بقوله : { الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أنه لا يستوى الأعمى والبصير ، ومدح أولى الألباب بما هم أهله من مدح ، وذم أضدادهم بما يستحقون من ذم ، فقال - تعالى - :

{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ . . . } .

قال الإمام الرازى : " قوله - تعالى - { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى . . . } إشارة إلى المثل المتقدم ذكره - في قوله - تعالى - { أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً } وهو أن العالم بالشئ كالبصير ، والجاهل به كالأعمى ، وليس أحدهما كالآخر ، لأن الأعمى إذا أخذ يمشى من غير قائد ، فربما يقع في المهالك . . أما البصير فإنه يكون آمنا من الهلاك والإِهلاك .

والمراد بالأعمى هنا : الكافر الذي انطمست بصيرته ، فأصبح لا يفرق بين الحق والباطل .

والاستفهام للانكار والاستبعاد .

المعنى : أفمن يعلم أن ما أنزل إليك - أيها الرسول الكريم - من وحى هو الحق الذي يهدى للتى هي أقوم ، كمن هو أعمى القلب : مطموس البصيرة ؟ ؟

فالآية الكريمة تنفى بأبلغ أسلوب ، مساواة الذين علموا الحق فاتبعوه ، بمن جهلوه وأعرضوا عنه ، وصموا آذانهم عن سماعه .

وقوله { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب } مدح لأصحاب العقول السليمة ، الذين ذكروا بالحق فتذكروه ، وآمنوا به ، وتعليل لإِعراض الكافرين عنه ، ببيان أن سبب إعراضهم ، أنهم ليسوا أهلا للتذكر ، لأن التذكر إنما هو من شأن أولى الألباب .

والألباب : جمع لب وهو الخالص من كل شئ .

أى : إنما يتذكر وينتفع بالتذكير ، أصحاب العقول السليمة وهم المؤمنون الصادقون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ الْحَقّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُواْ الألْبَابِ } .

يقول تعالى ذكره : أهذا الذي يعلم أن الذي أنزله الله عليك يا محمد حقّ ، ويصدّق ويعمل بما فيه ، كالذي هو أعمى فلا يعرف مَوْقع حجة الله عليه به ولا يعلم ما ألزمه الله من فرائضه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة في قوله : أفَمَنْ يَعْلَمُ أنّمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ منْ رَبّكَ الحَقّ قال : هؤلاء قوم انتفعوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووَعَوه ، قال الله : كمَنْ هُوَ أعْمَى قال : عن الخير فلا يبصره .

وقوله : إنّمَا يَتَذَكّرُ أُولُوا الألْبابِ يقول : إنما يتعظ بآيات الله ، ويعتبر بها ذوو العقول ، وهي الألباب ، واحدها : لُبّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

{ أفمن يعلم أنما أُنزل إليك من ربك الحق } فيستجيب . { كمن هو أعمى } عمى القلب لا يستبصر فيستجيب ، والهمزة لإنكار أن تقع شبهة في تشابههما بعدما ضرب من المثل . { إنما يتذكّر أولو الألباب } ذوو العقول المبرأة عن مشايعة الألف ومعارضة الوهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

تفريع على جملة { للذين استجابوا لربهم الحسنى } الآية [ سورة الرعد : 13 ] . فالكلام لنفي استواء المؤمن والكافر في صورة الاستفهام تنبيهاً على غفلة الضالّين عن عدم الاستواء ، كقوله : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } [ سورة السجدة : 18 ] .

واستعير لمن لا يعلم أنّ القرآن حق اسمُ الأعمى لأنه انتفى علمه بشيء ظاهر بيّن فأشبه الأعمى ، فالكاف للتشابه مستعمل في التماثل . والاستواء المراد به التماثل في الفضل بقرينة ذكر العَمَى . ولهذه الجملة في المعنى اتصال بقوله في أول السورة { والذي أنزل إليك من ربك الحق إلى يؤمنون } [ سورة الرعد : 1 ] .

وجملة { إنما يتذكر أولوا الألباب } تعليل للإنكار الذي هو بمعنى الانتفاء بأن سبب عدم علمهم بالحق أنهم ليسوا أهلاً للتذكر لأن التذكر من شعار أولي الألباب ، أي العقول .

والقصر ب { إنما } إضافي ، أي لا غيرُ أولي الألباب ، فهو تعريض بالمشركين بأنهم لا عقول لهم إذ انتفت عنهم فائدة عقولهم .

والألباب : العقول . وتقدم في آخر سورة آل عمران .