ولكن أكثر الناس ، لا يقدر نعم الله قدرها ، ولهذا قال تعالى : { بَلْ عَجِبُوا } أي : المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم ، { أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ منهم } أي : ينذرهم ما يضرهم ، ويأمرهم بما ينفعهم ، وهو من جنسهم ، يمكنهم التلقي عنه ، ومعرفة أحواله وصدقه .
فتعجبوا من أمر ، لا ينبغي لهم التعجب منه ، بل يتعجب من عقل من تعجب منه .
{ فَقَالَ الْكَافِرُونَ } الذين حملهم كفرهم وتكذيبهم ، لا نقص بذكائهم وآرائهم{[811]}
{ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } أي : مستغرب ، وهم في هذا الاستغراب بين أمرين :
إما صادقون في [ استغرابهم و ] تعجبهم ، فهذا يدل على غاية جهلهم ، وضعف عقولهم ، بمنزلة المجنون ، الذي يستغرب كلام العاقل ، وبمنزلة الجبان الذي يتعجب من لقاء الفارس للفرسان ، وبمنزلة البخيل ، الذي يستغرب سخاء أهل السخاء ، فأي ضرر يلحق من تعجب من هذه حاله ؟ وهل تعجبه ، إلا دليل على زيادة وظلمه وجهله ؟ وإما أن يكونوا متعجبين ، على وجه يعلمون خطأهم فيه ، فهذا من أعظم الظلم وأشنعه .
{ بَلْ عجبوا أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } وهو أنت يا محمد ، فلم يؤمنوا بك ، بل قابلوا دعوتك بالإِنكار والتعجب .
{ فَقَالَ الكافرون هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ } أى : هذا البعث الذى تخبرنا عنه يا محمد شئ يتعجب منه ، وتقف دون أفهامنا حائرة .
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { بَلْ عجبوا أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ . . } بل للإِضراب عما ينبئ عنه جواب القسم المحذوف ، فكأنه قيل إنا أنزلنا هذا القرآن لتنذر به الناس ، فلم يؤمنوا به ، بل جعلوا كلا من المنذِر والمنذَر به عرضة للتكبر والتعجب ، مع كونهما أوفق شئ لقضية العقول ، وأقربه إلى التلقى بالقبول .
وقوله : { أَن جَآءَهُمْ } بتقدير لأن جاءهم ، ومعنى " منهم " أى : من جنسهم ، وضمير الجمع يعود إلى الكفار . .
وقوله : { فَقَالَ الكافرون هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ } تفسير لتعجبهم . . وإضمارهم أولا ، للإِشعار بتعينهم بما أسند إليهم ، وإظهارهم ثانيا ، لستجيل الكفر عليهم . .
وقوله : بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما كذّبك يا محمد مشركو قومك أن لا يكونوا عالمين بأنك صادق محقّ ، ولكنهم كذّبوا تعجبا من أن جاءهم منذر ينذرهم عقاب الله منهم ، يعني بشرا منهم من بني آدم ، ولم يأتهم مَلك برسالة من عند الله وقوله : فَقالَ الكافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ يقول تعالى ذكره : فقال المكذّبون بالله ورسوله من قريش إذ جاءهم منذر منهم هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ : أي مجيء رجل منا من بني آدم برسالة الله إلينا ، هَلاّ أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرا .
{ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم } إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب ، وهو أن ينذرهم أحد من جنسهم أو من أبناء جلدتهم ، { فقال الكافرون هذا شيء عجيب } حكاية لتعجبهم ، وهذا إشارة إلى اختيار الله محمدا صلى الله عليه وسلم للرسالة ، وإضمار ذكرهم ثم إظهاره للإشعار بتعنتهم بهذا المقال ، ثم التسجيل على كفرهم بذلك أو عطف لتعجبهم من البعث على تعجبهم من البعثة ، والمبالغة فيه بوضع الظاهر موضع ضميرهم وحكاية تعجبهم مبهما إن كانت الإشارة إلى منهم يفسره ما بعده ، أو مجملا إن أهون مما يشاهدون من صنعه .
واختلف الناس في الضمير في : { عجبوا } لمن هو فقال جمهور المتأولين : هو لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم لأن كل مفطور عجب من بعثة بشر رسولا لله{[10511]} ، لكن المؤمنون نظروا واهتدوا ، والكافرون بقوا في عمايتهم وصموا وحاجوا بذلك العجب ، ولذلك قال تعالى : { فقال الكافرون هذا شيء عجيب } . وقال آخرون بل الضمير في { عجبوا } للكافرين ، وكرر الكلام تأكيداً ومبالغة . والإشارة بهذا يحتمل أن تكون إلى نفس مجيء البشر .
ويحتمل أن تكون إلى القول الذي يتضمنه الإنذار ، وهو الخبر بالبعث ، ويؤيد هذا القول ما يأتي بعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.