فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (49)

{ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ } المراد هنا بالإنسان الجنس باعتبار بعض أفراده أو غالبها ، وقيل : المراد به الكفار فقط ، والأول أولى ، ولا يمنع من حمله على الجنس خصوص سببه ، لأن الاعتبار بعموم اللفظ وفاء بحق النظم القرآني ، ووفاء بمدلوله ، والمعنى أن شأن غالب نوع الإنسان أنه إذا مسه { ضُرٌّ } من مرض أو فقر أو غيرهما { دَعَانَا } وتضرع إلينا في رفعة ودفعه .

{ ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا } أي أعطيناه نعمة كائنة من عندنا { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } مني بوجوه المكاسب ، أو على خير عندي ، أو على علم من الله بفضلي ، وقيل إن كان ذلك سعادة في المال أو عافية في النفس يقول : إنما حصل ذلك بجدي واجتهادي ، وإن كان صحة قال : إنما حصل ذلك بسبب العلاج الفلاني ، وإن حصل مالا ، بقول : حصل بكسبي ، وهذا تناقض أيضا لأنه لما كان عاجزا محتاجا أضاف الكل إلى الله تعالى ، وفي حال السلامة والصحة قطعه عن الله تعالى وأسنده إلى كسب نفسه . وهذا تناقض قبيح .

وقال الحسن : على علم علمني الله إياه . وقيل : قد علمت أني إذا أوتيت هذا في الدنيا أن لي عند الله منزلة ، وجاء في أوتيته بالضمير مذكرا مع كونه راجعا إلى النعمة لأنها بمعنى الإنعام ، وقيل : إن الضمير عائد إلى { ما } وهي موصولة والأول أولى .

{ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ } هذا رد لما قاله ، أي ليس ذلك الذي أعطيناك لما ذكرت بل هو محنة لك واختبار لحالك ، أتشكر أم تكفر ؟ قال الفراء : أنث الضمير في قوله : هي لتأنيث الفتنة ، ولو قال : بل هو فتنة لجاز ، وقيل : تأنيث الضمير باعتبار لفظ الفتنة ، وتذكير الأول في قوله : أوتيته باعتبار معناها وقال النحاس : بل عطية فتنة { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } أن ذلك استدراج لهم من الله ، وامتحان لما عندهم من الشكر أو الكفر .