الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ثُمَّ لَنَحۡنُ أَعۡلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمۡ أَوۡلَىٰ بِهَا صِلِيّٗا} (70)

وأخرج ابن المنذر ، عن ابن جريج في قوله : { ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً } يقول : إنهم أولى بالخلود في جهنم .

وأخرج الحرث بن أبي أسامة وابن جرير بسند حسن عن ابن عباس قال : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم ، وزيد في سعتها كذا وكذا ، وجمع الخلائق بصعيد واحد ، جنهم وإنسهم ، فإذا كان ذلك اليوم قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها على وجه الأرض ، ولأهل السماء وحدهم أكثر من أهل الأرض جنهم وإنسهم بضعف ، فإذا نثروا على وجه الأرض ، فزعوا إليهم فيقولون : أفيكم ربنا ؟ فيفزعون من قولهم ويقولون : سبحان ربنا ! ليس فينا وهو آت .

ثم تقاض السماء الثانية ، ولأهل السماء الثانية وحدهم ، أكثر من أهل السماء الدنيا ، ومن جميع أهل الأرض ، بضعف جنهم وإنسهم ، فإذا نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض فيقولون : أفيكم ربنا ؟ فيفزعون من قولهم ، ويقولون : سبحان ربنا ! ليس فينا وهو آت ، ثم تقاض السماوات : سماء سماء ، كلما قيضت سماء عن أهلها ، كانت أكثر من أهل السماوات التي تحتها ، ومن جميع أهل الأرض بضعف ، فإذا نثروا على أهل الأرض ، يفزع إليهم أهل الأرض ، فيقولون لهم مثل ذلك ، فيرجعون إليهم مثل ذلك ، حتى تقاض السماء السابعة ، فلأهل السماء السابعة ، أكثر من أهل ست سماوات ، ومن جميع أهل الأرض بضعف ، فيجيء الله فيهم ، والأمم جثيّ صفوف ، فينادي مناد : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، ليقم الحمادون لله على كل حال ، فيقومون ، فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي الثانية : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، أين الذين كانت { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون } [ السجدة : 16 ] فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي الثالثة ، ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ؟ أين الذين { لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار } [ النور : 37 ] فيقومون فيسرحون إلى الجنة . فإذا أخذ كل من هؤلاء ثلاثة ، خرج عنق من النار فأشرف على الخلائق له عينان تبصران ولسان فصيح فيقول : إني وكلت منكم بثلاثة : بكل جبار عنيد ، فتلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم ، فتحبس بهم في جهنم ، ثم تخرج ثانية فتقول : إني وكلت منكم بمن آذى الله تعالى ورسوله ، فتلقطهم من الصفوف لقط الطير حَبَّ السمسم ، فتحبس بهم في جهنم ، ثم تخرج ثالثة فتقول : إني وكلت بأصحاب التصاوير ، فتلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم ، فتحبس بهم في جهنم ، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة ، ومن هؤلاء ثلاثة : نشرت الصحف ، ووضعت الموازين ، ودعي الخلائق للحساب .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن أبي سمية قال : اختلفنا في الورود فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن ، وقال بعضهم : يدخلونها جميعاً { ثم ينجي الله الذين اتقوا } فلقيت جابر بن عبد الله ، فذكرت له فقال : وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه صمتاً ، إن لم أكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً ، كما كانت على إبراهيم ، حتى أن للنار ضجيجاً من بردهم { ثم ينجّي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً } » .