{ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا صِلِيّاً }{[22017]} ولا يقال{[22018]} : " أوْلَى " إلا مع اشتراكهم في العذاب{[22019]} .
قوله : { أَيُّهُمْ أَشَدُّ } فيه أقوال كثيرة ، أظهرها عند جمهور المعربين ، وهو مذهب سيبويه{[22020]} : أنَّ " أيُّهُمْ " موصولة بمعنى " الذي " ، وأنَّ حركتها حركة بناء ، بنيت عند سيبويه لخروجها عن النظائر{[22021]} .
و " أشَدُّ " خبر مبتدأ مضمر ، والجملة صلة ل " أيُّهُمْ " ، و " أيُّّهُمْ " وصلتها في محل نصب مفعولاً بها بقوله : { لنَنْزِعَنَّ } .
و ل " أيّ " أحوال الأربعة : إحداها تبني فيها ، وهي كما في هذه الآية{[22022]} أن{[22023]} تضاف ويحذف صدر صلتها{[22024]} ، ومثله قول الآخر :
إذَا ما أتَيْتَ بَنِي مَالِكٍ *** فَسَلِّمْ عَلَى أيُّهثمْ أفْضَلُ{[22025]}
بضم " أيُّهُمْ " . وتفاصيلها مقررة في كتب النحو{[22026]} .
وزعم الخليل{[22027]} -رحمه الله{[22028]}- أنَّ " أيُّهُمْ " هنا مبتدأ ، و " أشدُّ " خبره ، وهي استفهامية ، والجملة محكية بالقول مقدراً{[22029]} ، والتقدير : لنَنْزِعَنَّ من كُل شيعةٍ المقول فيهم أيُّهُم{[22030]} .
وقوى الخليل تخريجه بقول الشاعر :
ولقَدْ أبِيتُ مِنَ الفتاةِ بِمَنْزِلٍ *** فأبِيتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُوم{[22031]}
قال{[22032]} : فأبيتُ يقالُ فيَّ : لا حرجٌ ولا محْرُوم{[22033]} .
وذهب يونس{[22034]} إلى أنَّها استفهامية مبتدأ ، وما بعدها خبرها كقول الخليل إلاَّ أنَّه زعم أنها معلقة{[22035]} ل " نَنْزِعَنَّ " ، فهي في محل نصب{[22036]} ، لأنَّه يجوز التعليق في سائر الأفعال{[22037]} ، ولا يخصه " بأفعال القلوب كما يخصه{[22038]} " بها الجمهور{[22039]} .
وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون النزع واقعاً على{[22040]} { مِن كُلِّ شِيعَةٍ } كقوله : { وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّن رَّحْمَتِنَا }{[22041]} ، أي : لننزعنَّ بعض كل شيعة ، فكأنَّ قائلاً قال : مَنْ هُمْ ؟ فقيل : أيهم أشدّ عِتِيًّا{[22042]} .
فجعل " أيُّهُمْ " موصولة أيضاً ، ولكن هي في قوله خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين هم أشد . قال أبو حيان : وهذا تكلف ما لا حاجة إليه ، وادعاء إضمار غير محتاج إليه ، وجعل ما ظاهره أنه جملة واحدة جملتين{[22043]} . وحكى أبو البقاء عن الأخفش والكسائي{[22044]} أن مفعول " نَنْزعنَّ " : " مِنْ كُلِّ شيعةٍ " و " مِنْ " مزيدة ، قال : وهما يجيزان زيادة " مِنْ " " في الواجب{[22045]} " {[22046]} ، و " أيُّهُم " استفهام أي : لنَنْزِعَنَّ كُلَّ شيعةٍ{[22047]} .
وهذا{[22048]} مخالف في المعنى تخريج الجمهور ، فإنَّ تخريجهم يؤدي إلى التبعيض ، وهذا يؤدي إلى العموم ، إلاَّ أن{[22049]} يجعل " مِنْ " لابتداء الغاية لا للتبعيض فيتفق التخريجان ، وذهب الكسائي إلى أنَّ معنى " لنَنْزِعَنَّ " لنُنَادِينَّ ، فعومل معاملته ، فلم يعمل في " أيّ " {[22050]} . قال المهدوي{[22051]} : " ونادى " {[22052]} يعلق إذا كان بعده جملة نصب ، فيعمل في المعنى ولا يعمل في اللفظ{[22053]} . وقال المبرد{[22054]} : " أيُّهُمْ " متعلق ب " شيعةٍ " فلذلك ارتفع{[22055]} ، والمعنى من الذين تشايعوا أيهم أشد ، كأنهم يتبادرون إلى هذا{[22056]} . " ويلزمه على هذا " {[22057]} أن يقدر مفعولاً ل " ننزعنَّ " محذوفاً{[22058]} وقدر بعضهم في قول المبرد : من الذين تعاونوا فنظروا{[22059]} أيهم{[22060]} .
قال النحاس{[22061]} وهذا قول حسن{[22062]} . وقد حكى الكسائي تشايعوا بمعنى تعاونوا{[22063]} قال شهاب الدين : وفي هذه العبارة المنسوبة{[22064]} للمبرد{[22065]} قلق ، ولا بيَّن الناقل عنه وجه الرفع عن ماذا يكون ، وبيَّنه أبو البقاء ، لكن جعل " أيهم " فاعلاً لما تضمنه " شِيعَةٍ " " من معنى الفعل ، قال : التقدير : لننزعن من كل " {[22066]} فريق يشيع أيهم . وهي{[22067]} على هذا بمعنى " الذي " {[22068]} . ونقل الكوفيون أنَّ " أيُّهُم " في الآية بمعنى الشرط ، والتقدير : إن اشتدَّ عتوهم أو لم يشتد ، كما تقول : ضرب القوم أيهم غضب . المعنى : إن غضبوا أو لم يغضبوا{[22069]} . وقرأ طلحة بن مصرِّف " ومعاذ بن مسلم الهراء{[22070]} أستاذ الفراء{[22071]} ، وزائدة " {[22072]} عن الأعمش " أيُّهُمْ " نصباً{[22073]} .
فعلى هذه القراءة والتي قبلها ينبغي أن يكون مذهب سيبويه جواز إعرابها وبنائها ، وهو المشهور عند النقلة عنه ، " وقد نقل عنه " {[22074]} أنَّه يحتم بناءها{[22075]} .
قال النحاس : ما علمتُ أحداً من النحويين إلاَّ وقد خطَّأ سيبويه ، " قال : وسمعت أبا إسحاق الزجاج يقول : ما يبين لي أنَّ سيبويه{[22076]} " غلط في كتابه إلاَّ في موضعين هذا أحدهما . قال : وقد أعرب{[22077]} سيبويه " أيًّا " وهي مفردة ، لأنَّها تضاف{[22078]} فكيف يبينها مضافة{[22079]} . وقال الجرميّ{[22080]} : خرجت من البصرة فلم أسمع منذ فارقت الخندق إلى مكة أحداً يقول : لأضربن{[22081]} أيهم قائم ، بالضم بل ينصب{[22082]} .
قوله : { على الرَّحمنِ } متعلق ب " أشَدُّ " ، و " عِتِيًّا " منصوب على التمييز وهو محول عن المبتدأ{[22083]} ، " إذ التقدير " {[22084]} : أيُّهُم هو عتوه أشد{[22085]} . ولا بدَّ من محذوف يتم به الكلام{[22086]} ، التقدير : فيلقيه في العذاب ، أو فنبدأ بعذابه{[22087]} . قال الزمخشري : فإن قلت{[22088]} : بم{[22089]} يتعلق " عَلَى " ، و " البَاء " ، فإن تعلقهما بالمصدرين لا سبيل إليه .
قلتُ : هما للبيان لا للصلة ، أو يتعلقان{[22090]} بأفعل ، أي : عتوهم أشد على الرحمن ، وصليهم أولى بالنار ، كقولهم : هو أشد على خصمه ، وهو أولى بكذا{[22091]} .
يعني ب " عَلَى " قوله : { على الرَّحمنِ } ، وب " الباء " قوله : { بالَّذِينَ هُمْ }{[22092]} وقوله : بالمصدرين . يعني بهما " عتِيًّا " و " صِلِيًّا " .
" وأما كونه لا سبيل إليه " {[22093]} ، فلأن المصدر في نية الموصول{[22094]} ، ولا يتقدم معمول الموصول عليه{[22095]} " وجوَّز بعضهم " {[22096]} أن يكون " عِتِيًّا " ، و " صليًّا " في هذه الآية مصدرين كما تقدم{[22097]} وجوَّز أن يكون جمع عاتٍ وصالٍ فانتصابهما على هذا الحال . وعلى هذا يجوز أن يتعلق " عَلَى " و " الباء " بهما لزوال المحذوف المذكور{[22098]} .
قال المفسرون : معنى قوله : { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا صِلِيّاً } أي أحق بدخول النار{[22099]} . يقال : صَلِيَ يَصْلَى صُليًّا مثل لَقِيَ يَلْقَى لُقْيًّا ، وصَلَى يَصْلِي صُليًّا مثل مَضَى يَمْضِي مُضيًّا ، إذا دخل النار ، وقَاسَى حرَّها .