الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (139)

أخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن طاوس في قوله { وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون } قال : قيل ليونس عليه السلام إن قومك يأتيهم العذاب يوم كذا وكذا . . فلما كان يومئذ ، خرج يونس عليه السلام ، ففقده قومه ، فخرجوا بالصغير ، والكبير ، والدواب ، وكل شيء . ثم عزلوا الوالدة عن ولدها ، والشاة عن ولدها ، والناقة والبقرة عن ولدها ، فسمعت لهم عجيجاً ، فأتاهم العذاب حتى نظروا إليه ، ثم صرف عنهم . فلما لم يصبهم العذاب ، ذهب يونس عليه السلام مغاضباً ، فركب في البحر في سفينة مع أناس ، حتى إذا كانوا حيث شاء الله تعالى ، ركدت السفينة ، فلم تسر فقال صاحب السفينة : ما يمنعنا أن نسير إلا أن فيكم رجلاً مشؤوماً قال : فاقترعوا ليلقوا أحدهم ، فخرجت القرعة على يونس ، فقالوا : ما كنا لنفعل بك هذا . ثم اقترعوا أيضاً ، فخرجت القرعة عليه ثلاثاً ، فرمى بنفسه ، فالتقمه الحوت قال طاوس : بلغني أنه لما نبذه الحوت بالعراء وهو سقيم ، نبتت عليه شجرة من يقطين واليقطين الدباء ، فمكث حتى إذا رجعت إليه نفسه يبست الشجرة ، فبكى يونس عليه السلام حزناً عليها ، فأوحى الله إليه : أتبكي على هلاك شجرة ولا تبكي على هلاك مائة ألف ؟ .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل قريته ، فردوا عليه ما جاءهم به ، فامتنعوا منه ، فلما فعلوا ذلك أوحى الله إليه : إني مرسل عليهم العذاب في يوم كذا وكذا . . فأخرج من بين أظهرهم ، فاعلم قومه الذي وعد الله من عذابه إياهم ، فقالوا : ارمقوه فإن هو خرج من بين أظهركم فهو الله كائن ما وعدكم . فلما كانت الليلة التي وعدوا العذاب في صبيحتها ، أدلج فرآه القوم ، فحذروا فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم ، وفرقوا بين كل دابة وولدها . ثم عجوا إلى الله ، وأنابوا واستقالوا ، فأقالهم وانتظر يونس عليه الخبر عن القرية وأهلها . حتى مر مار فقال : ما فعل أهل القرية ؟ قال : فعلوا أن نبيهم لما خرج من بين أظهرهم عرفوا أنه قد صدقهم ما وعدهم من العذاب ، فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرض ، ثم فرقوا بين كل ذات ولد وولدها ، ثم عجوا إلى الله ، وتابوا إليه فقبل منهم ، وأخر عنهم العذاب . فقال يونس عليه السلام عند ذلك : لا أرجع إليهم كذاباً أبداً ، ومضى على وجهه .