فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (126)

وقوله : { وَإِذْ قَالَ إبراهيم } ستأتي الأحاديث الدالة على أن إبراهيم هو الذي حرّم مكة ، والأحاديث الدالة على أن الله حرّمها يوم خلق السموات والأرض ، والجمع بين هذه الأحاديث في هذا البحث . وقوله : { بَلَدًا آمِنًا } أي : مكة ، والمراد الدعاء لأهله من ذريته وغيرهم كقوله : { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] أي : راض صاحبها . وقوله : { مَنْ ءامَنَ } بدل من قول أهلَه ، أي : ارزق من آمن من أهله دون من كفر . وقوله : { وَمَن كَفَرَ } الظاهر أن هذا من كلام الله سبحانه ردّاً على إبراهيم حيث طلب الرزق للمؤمنين دون غيرهم ، أي : وارزق من كفر ، فأمتعه بالرزق قليلاً ، ثم أضطره إلى عذاب النار ، ويحتمل أن يكون كلاماً مستقلاً بياناً لحال من كفر ، ويكون في حكم الإخبار عن حال الكافرين بهذه الجملة الشرطية ، أي : من كفر ، فإني أمتعه في هذه الدنيا بما يحتاجه من الرزق ، { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } بعد هذا التمتيع { إلى عَذَابِ النار } فأخبر سبحانه أنه لا ينال الكفرة من الخير إلا تمتيعهم في هذه الدنيا ، وليس لهم بعد ذلك إلا ما هو شرّ محض ، وهو عذاب النار ؛ وأما على قراءة من قرأ { فَأُمَتّعُهُ } بصيغة الأمر ، وكذلك قوله : { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } بصيغة الأمر فهي مبنية على أن ذلك من جملة كلام إبراهيم ، وأنه لما فرغ من الدعاء للمؤمنين دعا للكافرين بالإمتاع قليلاً ، ثم دعا عليهم بأن يضطرهم إلى عذاب النار . ومعنى : { أَضْطَرُّهُ } ألزمه حتى صيره مضطراً لذلك لا يجد عنه مخلصاً ، ولا منه متحوّلاً .

/خ128