فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (120)

قوله : { وَلَن ترضى عَنكَ اليهود } الآية ، أي : ليس غرضهم ، ومبلغ الرضا منهم ما يقترحونه عليك من الآيات ، ويوردونه من التعنتات ، فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون ، وأجبتهم عن كل تعنت لم يرضوا عنك ، ثم أخبره بأنهم لن يرضوا عنه حتى يدخل في دينهم ويتبع ملتهم ، والملة : اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه على ألسن أنبيائه ، وهكذا الشريعة ، ثم ردّ عليهم سبحانه ، فأمره بأن يقول لهم : { إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى } الحقيقي ، لا ما أنتم عليه من الشريعة المنسوخة ، والكتب المحرّفة ثم أتبع ذلك بوعيد شديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن اتبع أهواءهم وحاول رضاهم وأتعب نفسه في طلب ما يوافقهم . ويحتمل أن يكون تعريضاً لأمته ، وتحذيراً لهم أن يوافقوا شيئاً من ذلك ، أو يدخلوا في أهوية أهل الملل ، ويطلبوا رضا أهل البدع .

وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب ، وتتصدع منه الأفئدة ، ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه ، والقائمين ببيان شرائعه ، ترك الدِّهان لأهل البدع المتمذهبين بمذاهب السوء ، التاركين للعمل بالكتاب والسنة ، المؤثرين لمحض الرأي عليهما ؛ فإن غالب هؤلاء ، وإن أظهر قبولاً ، وأبان من أخلاقه ليناً لا يرضيه إلا اتباع بدعته ، والدخول في مداخله ، والوقوع في حبائله ، فإن فعل العالم ذلك بعد أن علمه الله من العلم ما يستفيد به أن هدى الله هو ما في كتابه ، وسنّة رسوله ، لا ماهم عليه من تلك البدع التي هي ضلالة محضة ، وجهالة بينة ، ورأي منهار ، وتقليد على شفا جرف هار ، فهو إذ ذاك ما له من الله من وليّ ، ولا نصير ، ومن كان كذلك ، فهو مخذول لا محالة ، وهالك بلا شك ، ولا شبهة .

/خ121