تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ كَيۡفَ بَنَيۡنَٰهَا وَزَيَّنَّـٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٖ} (6)

6

المفردات :

بنيناها : أحكمنا بناءها ، فجعلناها بغير عمد .

وزيناها : بالكواكب على أبدع نظام ، وأكمل إحكام .

فروج : شقوق .

التفسير :

6- { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج } .

أفلم ينظر هؤلاء الكفار بأم أعينهم إلى السماء فوقهم ، وهي قبة مترامية الأطراف ، لا تعتمد على أعمدة ليتأملوا في هذه القبة الزرقاء ، { كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج } .

كيف أحكمنا بناءها ، ورفعنا بنيانها بدون عمد يرونها ، وزيناها بالنجوم ، كالثريا التي تزين المنازل ، ولم نجعل في السماء شقوقا ولا عيوبا ولا تصدعا .

{ فروج } . جمع فرج ، وهو الشق بين الشيئين ، والمراد : سلامتها من كل عيب وخلل .

كما قال سبحانه وتعالى : { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } . ( الملك : 3 ، 4 ) .

أي : لن تجد في السماء عيبا ولا تشققا ولا تصدعا ولا خللا ، ومهما بحثت عن عيب وكررت النظر مرارا ، فسينقلب البصر كليلا متعبا ، بعد لَأْي وجهد لأنه لم يجد أي عيب في السماء ، وقد جعل الله النجوم في السماء لثلاثة أهداف :

الأول : أنها زينة للسماء .

الثاني : أنها هداية للسائرين في الصحراء والبحار ، ليعرفوا بها الجهات الأربع الأصلية ، ومن ثم يهتدون إلى الطريق الذي يسلكونه .

الثالث : أنها رجوم وشهب وتصيب الشياطين ، الذين يحاولون استراق السمع من السماء .

قال تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ( 6 ) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ( 7 ) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ( 8 ) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ( 9 ) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ( 10 ) } ( الصافات : 6- 10 ) .

وقال سبحانه وتعالى : { وعلامات وبالنجم هم يهتدون } . ( النحل : 16 ) .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ كَيۡفَ بَنَيۡنَٰهَا وَزَيَّنَّـٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٖ} (6)

{ أَفَلَمْ يَنظُرُواْ } أي أغفلوا أو عموا فلم ينظروا حين كفروا بالبعث { إِلَى السماء فَوْقَهُمْ } بحيث يشاهدونها كل وقت ، قيل : وهذا ظاهر على ما هو المعروف بين الناس من أن المشاهد هو السماء التي هي الجرم المخصوص الذي يطوى يوم القيامة وقد وصف في الآيات والأحاديث بما وصف .

وأما على ما ذهب إليه الفلاسفة من أن المشاهد إنما هو كرة البخار أو هواء ظهر بهذا اللون ولا لون له حقيقة ودون ذلك الجرم ففيه خفاء ، وقال بعض الأفاضل في هذا المقام : إن ظواهر الآيات والأخبار ناطقة بأن السماء مرئية ، وما ذكره الفلاسفة المتقدمون من أن الأفلاك أجرام صلبة شفافة لا ترى غير مسلم أصلاً ، وكذا كون السموات السبع هي الأفلاك السبعة غير مسلم عند المحققين ، وكذا وجود كرة البخار وأن ما بين السماء والأرض هواء مختلف الأجزاء في اللطافة فكلما علا كان ألطف حتى أنه ربما لا يصلح للتعيش ولا يمنع خروج الدم من المسام الدقيقة جداً لمن وصل إليه ، وإن رؤية الجو بهذا اللون لا ينافي رؤية السماء حقيقة وإن لم تكن في نفسها ملونة به ويكون ذلك كرؤية قعر البحر أخضر من وراء مائة ونحو ذلك مما يرى بواسطة شيء على لون وهو في نفسه على غير ذلك اللون ، بل قيل : إن رؤية السماء مع وجود كرة البخار على نحو رؤية الأجرام المضيئة كالقمر وغيره . وأنت تعلم أن الأصحاب مع الظواهر حتى يظهر دليل على امتناع ما يدل عليه وحينئذٍ يؤولونها ، وأن التزام التطبيق بين ما نطقت به الشريعة وما قاله الفلاسفة مع إكذاب بعضه بعضاً أصعب من المشي على الماء أو العروج إلى السماء ، وأنا أقول : لا بأس بتأويل ظاهر تأويلاً قريباً لشيء من الفلسفة إذا تضمن مصلحة شرعية ولم يستلزم مفسدة دينية ، وأرى الإنصاف من الدين ، ورد القول احتقاراً لقائله غير لائق بالعلماء المحققين ، هذا وحمل بعض { السماء } ههنا على جنس الأجرام العلوية وهو كما ترى ، والظاهر أنها الجرم المخصوص وأنها السماء الدنيا أي أفلم ينظروا إلى السماء الدنيا { كَيْفَ بنيناها } أحكمناها ورفعناها بغير عمد { وزيناها } للناظرين بالكواكب المرتبة على أبدع نظام { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } أي من فتوق وشقوق ، والمراد سلامتها من كل عيب وخلل فلا ينافي القول بأن لها أبواباً ، وزعم بعضهم أن المراد متلاصقة الطباق وهو ينافي ما ورد في الحديث من أن بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام ، ولعل تأخير هذا لمراعاة الفواصل .

وقيل ههنا { أَفَلَمْ يَنظُرُواْ } بالفاء وفي موضع آخر { أَوَ لَمْ يَنظُرُواْ } [ الأعراف : 185 ] بالواو لسبق إنكار الرجع فناسب التعقيب بما يشعر بالاستدلال عليه ، وجيء بالنظر دون الرؤية كما في الأحقاف استبعاداً لاستبعادهم فكأنه قيل : النظر كاف في حصول العلم بإمكان الرجع ولا حاجة إلى الرؤية قاله الإمام ، واحتج بقوله سبحانه : { مَّا لَهَا مِن فُرُوجٍ } للفلاسفة على امتناع الخرق ، وأنت تعلم أن نفي الشيء لا يدل على امتناعه ، على أنك قد سمعت المراد بذلك ، ولا يضر كونه ليس معنى حقيقياً لشيوعه .