اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَلَمۡ يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوۡقَهُمۡ كَيۡفَ بَنَيۡنَٰهَا وَزَيَّنَّـٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٖ} (6)

ثم ذكر الدليل الذي يدفع قولهم : { ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } فقال : { أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا بغير عمد وَزَيَّنَّاهَا } بالكواكب ، وهو نظير قوله تعالى : { أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } [ يس : 81 ] وقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى } [ الأحقاف : 33 ] .

قوله : «أَفَلَمْ » الهمزة للاستفهام . واعْلَم أن همزة الاستفهام تارةً تدخل على الكلام بغير واو وتارة تدخل ومعها واو والفرق بينهما أن قولك : أَزَيدٌ فِي الدارِ ؟ بعد : وَقَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ ( يذكره للإنكار{[52296]} .

فإن قلت : أَوَ زَيْدٌ في الدار بعد : وَقَدْ طَلَعَتِ الشَّمس ) يشير بالواو إلى أن قبح فعله صار بمنزلة فعلين قبيحين ، لأن{[52297]} الواو تُنْبِئُ عن سبق أمر مغايرٍ لما بعدها وإن لم يكن هناك سابقٌ لكنك تأتي بالواو زيادة في الإنكار .

فإن قيل : كيف أتى هنا بالفاء فقال : «أَفَلَمْ » وفي موضع آخر بالواو ؟ ! .

فالجواب : هنا سبق منهم إنكار الرجع فقال بحرف التعقيب لمخالفة ما قيلَ .

فإن قيل : ففي «يس » سبق ذلك بقوله : { قَالَ مَن يُحيِي العظام } ؟ .

فالجواب : بأن هناك الاستدلال بالسماوات لم يعقب الإنكار بل استدل بدليلٍ آخرَ وهو قوله : { قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } ثم ذكر الدليل الآخر وههنا الدليل كان عقيب إنكارهم ، فذكر بالفاء .

فإن قيل : كيف قال ههنا بلفظ النظر وفي الأحقاف بلفظ الرؤية ؟ !

فالجواب : أنهُمْ ههنا لما استبعدوا أمر الرجع بقولهم : { ذلك رجع بعيد } استبعد استبعادهم وقال : أفلم ينظروا ؛ لأن النظر دون الرؤية فقال النظر كاف{[52298]} في حصول العلم بإمكان الرجع ، ولا حاجة إلى الرؤية ، ليقع الاستبعاد في مقابلة الاستبعاد{[52299]} وهناك لم يوجد منهم إنكار فأرشدهم إليه بالرؤية التي هي أتمُّ من النظر{[52300]} .

قوله : { إِلَى السماء فَوْقَهُمْ } فقوله : «فَوْقَهُمْ » حال من السماء وهي مؤكدة وكَيْفَ منصوبة بما بعدها وهي معلِّقةٌ للنظر قبلها .

فإن قيل : كيف قال : إلى السماء ولم يقل : فِي السماء ؟ ! .

فالجواب : لأنَّ النظر في الشيء ينبئ عن التأمّل والمبالغة والنظر إلى الشيء لا ينبئ عنه ؛ لأن «إِلى » غايةٌ منتهى النظر عنده وفي الدخول في معنى الظرف فإذا انتهى النظر إليه ينبغي أن ينفذ فيه حتى يصح معنى النظر فيه{[52301]} .

قوله : { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } أي شُقوقٍ وفتوقٍ وصُدُوعٍ ، واحدها فَرْج .


[52296]:ما بين سقط من (ب) بسبب انتقال النظر.
[52297]:في ب: فإن.
[52298]:في الرازي: فكأن النظر كان في حصول العلم.
[52299]:كذا في النسختين وفي الرازي: الاستبعاد.
[52300]:وانظر الرازي 28/155.
[52301]:كذا في النسختين وفي الرازي معنى الظرفية.