قوله تعالى : { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج } .
إشارة إلى الدليل الذي يدفع قولهم { ذلك رجع بعيد } وهذا كما في قوله تعالى : { أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم } وقوله تعالى : { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس } وقوله تعالى : { أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى بلى } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : همزة الاستفهام تارة تدخل على الكلام ولا واو فيه ، وتارة تدخل عليه وبعدها واو ، فهل بين الحالتين فرق ؟ نقول فرق أدق مما على الفرق ، وهو أن يقول القائل : أزيد في الدار بعد ، وقد طلعت الشمس ؟ يذكره للإنكار ، فإذا قال : أو زيدا في الدار بعد ، وقد طلعت الشمس ؟ يشير بالواو إشارة خفية إلى أن قبح فعله صار بمنزلة فعلين قبيحين ، كأنه يقول بعد ما سمع ممن صدر عن زيد هو في الدار ، أغفل وهو في الدار بعد ، لأن الواو تنبئ عن ضيف أمر مغاير لما بعدها وإن لم يكن هناك سابق لكنه يومئ بالواو إليه زيادة في الإنكار ، فإن قيل قال في موضع { أو لم ينظروا } وقال هاهنا { أفلم ينظروا } بالفاء فما الفرق ؟ نقول هاهنا سبق منهم إنكار الرجع فقال بحرف التعقيب بمخالفه ، فإن قيل ففي يس سبق ذلك بقوله قال : { من يحيى العظام } نقول هناك الاستدلال بالسموات لما لم يعقب الإنكار على عقيب الإنكار استدل بدليل آخر ، وهو قوله تعالى : { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة } ثم ذكر الدليل الآخر ، وهاهنا الدليل كان عقيب الإنكار فذكر بالفاء ، وأما قوله هاهنا بلفظ النظر ، وفي الأحقاف بلفظ الرؤية ، ففيه لطيفة وهي أنهم هاهنا لما استبعدوا أمر الرجع بقولهم { ذلك رجع بعيد } استبعد استبعادهم ، وقال : { أفلم ينظروا إلى السماء } لأن النظر دون الرؤية فكأن النظر كان في حصول العلم بإنكار الرجع ولا حاجة إلى الرؤية ليقع الاستبعاد في مقابلة الاستعباد ، وهناك لم يوجد منهم بإنكار مذكور فأرشدهم إليه بالرؤية التي هي أتم من النظر ، ثم إنه تعالى كمل ذلك وجمله بقوله { إلى السماء } ولم يقل في السماء لأن النظر في الشيء ينبئ عن التأمل والمبالغة والنظر إلى الشيء ينبئ عنه ، لأن إلى للغاية فينتهي النظر عنده في الدخول في معنى الظرف فإذا انتهى النظر إليه ينبغي أن ينفذ فيه حتى يصح معنى الظرفية وقوله تعالى : { فوقهم } تأكيد آخر أي وهو ظاهر فوق رؤوسهم غير غائب عنهم ، وقوله تعالى : { كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج } إشارة إلى وجه الدلالة وأولوية الوقوع وهي للرجع ، أما وجه الدلالة فإن الإنسان له أساس هي العظام التي هي كالدعامة وقوى وأنوار كالسمع والبصر فبناء السماء أرفع من أساس البدن ، وزينة السماء أكمل من زينة الإنسان بلحم وشحم . وأما الأولوية فإن السماء ما لها من فروج فتأليفها أشد ، وللإنسان فروج ومسام ، ولا شك أن التأليف الأشد كالنسج الأصفق والتأليف الأضعف كالنسج الأسخف ، والأول أصعب عند الناس وأعجب ، فكيف يستبعدون الأدون مع علمهم بوجود الأعلى من الله تعالى ؟ قالت الفلاسفة الآية دالة على أن السماء لا تقبل الخرق ، وكذلك قالوا في قوله { هل ترى من فطور } وقوله { سبعا شدادا } وتعسفوا فيه لأن قوله تعالى : { ما لها من فروج } صريح في عدم ذلك ، والإخبار عن عدم الشيء لا يكون إخبارا عن عدم إمكانه فإن من قال : ما لفلان قال ؟ لا يدل على نفي إمكانه ، ثم إنه تعالى بين خلاف قولهم بقوله { وإذا السماء فرجت } وقال : { إذا السماء انفطرت } وقال : { فهي يومئذ واهية } في مقابلة قوله { سبعا شدادا } وقال : { فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان } إلى غير ذلك والكل في الرد عليهم صريح وما ذكروه في الدلالة ليس بظاهر ، بل وليس له دلالة خفية أيضا ، وأما دليلهم المعقول فأضعف وأسخف من تمسكهم بالمنقول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.