تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (45)

المفردات :

لفي شك منه مريب : لفي شك يقضي الإضطراب والقلق .

التفسير :

45-{ ولقد آيتنا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب } .

تأتي هذه الآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم على تكذيب قومه له ، كما قال سبحانه : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل . . . }( الأحقاف : 35 ) .

والمعنى :

أعطينا موسى التوراة فآمن فريق بها وكذّبها فريق ، كما فعل قومك مع القرآن ، ولولا أن الله جلّت حكمته قد قضى بأن يمهل الناس ويعطيهم فرصة كافية لاستخدام عقولهم ، وتسخير مواهبهم ، واستعادة تفكيرهم ، لعلّهم أن يتوبوا ويراجعوا ضمائرهم ، فيستغفروا ويتوبوا ويرجعوا إلى ربهم ، وإلى الإيمان بكتبه المنزّلة ، لولا ذلك لقضي بينهم في الدنيا بعذاب الاستئصال .

قال تعالى : { وربك الغفور ذو الرحمة لم يؤاخذكم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا } . ( الكهف : 58 ) .

وقال سبحانه : { ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى . . . } . ( فاطر : 45 ) .

{ وإنهم لفي شك منه مريب } .

أي : إن قومك من كفار مكة في شك وتوجُّس وخوف من هذا القرآن ، مُوقع لهم في أشد الريبة والاضطراب ، حيث كان أغنياء مكة يستمتعون بالمال والخمر والغناء والقيان ، ويرون أنهم من جنس أفضل قدرا ، وأعلى منزلة من الفقراء والعبيد .

وكان القرآن يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر ، ويبيّن أن الناس جميعا من آدم ، وهم يتفاضلون عند الله بالتقوى والأعمال الصالحة ، كم حرّم القرآن الخمر والميسر والزنا والفواحش ، وحثّ على الصدقة والإحسان وإكرام اليتيم ومساعدة الضُّعفاء والمحتاجين .

ومن أجل ذلك توجَّس الكفار شرّا من هذا القرآن ، وخافوا من بلاغته وصولته ، وحاولوا أن يكتموا صوته ، وهذا الشك أوقعهم في اتهام القرآن والخوف منه ، لذلك سمّاه الله شكا مريبا ، أي : شكا مركبا بالغ الاتهام .

جاء في التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي :

{ وإنهم لفي شك منه مريب } . أي : وإن كفار قومك لفي شك من القرآن ، موقع في الريبة والقلق ، فما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ، بل كانوا شاكّين فيما قالوه ، غير متحققين لشيء كانوا فيه . {[652]}


[652]:التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، الجزء 24 ص 249.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِيهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِي شَكّٖ مِّنۡهُ مُرِيبٖ} (45)

قوله : { وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ } وهذا تأنيس وتسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ، إذْ يواسيه بكلماته الكريمة كيلا يحزن ، والمعنى : لقد آتينا موسى التوراة من قبلك فآمن بها من آمن وكفر بها من كفر فلا تبتئس بتكذيب قومك يا محمد وبكفرانهم .

قوله : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي لولا ما سبق من قضاء الله وحكمه فيهم بإمهال عذابهم إلى يوم القيامة لعجل الله الفصل بينهم ، فأخذهم العذاب .

قوله : { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ } المبطلون الظالمون لم يكن تكذيبهم عن بصيرة منهم وتحقق لما يقولون بل كانوا شاكين فيما قالوه من إنكار وتكذيب ، وقوله : { مُرِيبٍ } أي مُوقِِعٌ لهم في الريبة ؛ لأنهم كذَّبوا بغير تثبّت ، وما قالوه من تكذيب وجحود إنما كان ظنًّا{[4071]} .


[4071]:تفسير الرازي ج 27 ص 134 وتفسير الطبري ج 24 ص 82 وتفسير ابن كثير ج 4 ص 103