تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗا وَسَيُحۡبِطُ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (32)

32

المفردات :

شاقوا الرسول : عادوه وخالفوه ، وأصله : صاروا في شق غير شقه .

التفسير :

32- { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } .

قيل : نزلت هذه الآية في يهود بني قريظة وبني النضير ، حيث تبين لهم في التوراة صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، وشاهدوا المعجزات تظهر على يديه ، فأعرضوا عن الإسلام .

وقيل : نزلت في المنافقين ، وقيل : نزلت في كفار قريش ، والأولى أن يقال : إن الآية عامة في جميع هذه الأصناف وأمثالها .

والمعنى :

إن الذين كفروا بالله ورسوله ، ومنعوا الناس من الإيمان ، وزينوا لهم الكفر ، وعادوا رسول الله ، وصاروا في شق وجانب غير جانبه من بعد أن شاهدوا صدقه ، وأدركوا أنه صادق أمين هؤلاء : { لن يضروا الله شيئا . . . } فهم أحقر وأذل من ذلك ، لأن الله غالب على أمره ، ولن يضروا دين الله وهو الإسلام ، ولا رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وسيبطل الله كيدهم ، ويمحق تدبيرهم ، ويحفظ رسوله وينصر دينه ، وقد تم ذلك في غزوة بدر ، وفي غزوة بني قريظة ، والأحزاب وغيرها ، ونصر الله الإسلام على الكافرين والمنافقين واليهود وسائر أعداء دين الإسلام .

وفي معنى هذه الآية يقول الله تعالى في سورة الصف : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 7 ) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ( 8 ) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( 9 ) } . ( الصف : 7-9 ) .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗا وَسَيُحۡبِطُ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (32)

قوله تعالى : { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم 32 ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم 33 إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم 34 فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم } .

ذلك تنديد من الله بأعداء الإسلام والمسلمين من المنافقين والمشركين وأهل الكتاب الذين يحادون الله ورسوله ويكيدون للإسلام والمسلمين كيدا . وهو قوله : { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى } المراد بذلك الظالمون الخاسرون على اختلاف مللهم ومذاهبهم وأهوائهم ، وأساليبهم في الكيد والكفر ، فإنهم جميعا يصدون الناس عن دين الله ، إذ يمنعونهم من الإقبال على الإسلام أو فهمه وإدراكه والتعرف عليه كيلا يدخلوا فيه ، وكذلك فإنهم يشاقون الرسول بمعاداته ومخالفته والتصدي له بالكيد والمكر والعدوان { من بعد ما تبين لهم الهدى } لقد تبين لهؤلاء أن رسول الله صادق أمين وأنه لا يقول على الله إلا الحق ، ويعلمون كذلك أن الإسلام حق وأنه يتضمن كل معاني الخير والعدل والمساواة والرحمة ، فهم لا يصدهم عن قبول الإسلام والدخول فيه إلا حقدهم واضطغانهم على الإسلام والمسلمين وفرط كراهيتهم لهذا الدين المبارك الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، ولأن طبائعهم كزة وبور قد ران عليها التبلد والكفر والجحود .

قوله : { لن يضروا الله شيئا } لا يعبأ الله بكفر من كفر ولا بجحد من جحد . وإنما ضرر الكفر والجحود والصد عن دين الله عائد على الكافرين أنفسهم ، فهم قد خسروا أنفسهم لما حجبوا عنه شمس الإسلام الساطع المنير فباءوا بالخسران في هذه الدنيا حيث الظلم والفساد والحيرة والفوضى . وفي الآخرة حيث النار .

قوله : { وسيحبط أعمالهم } لا قيمة لأعمال الكافرين والمنافقين الذين يصدون عن دين الله ويكرهون البشرية في الإسلام . إنه لا وزن ولا قيمة لأعمالهم وإن كانت في صورتها خيّرة نافعة ، فهي جميعها صائرة إلى البطلان ، كالهباء المتناثر ذارت في الفضاء .