تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

20

المفردات :

لولا : كلمة تفيد الحث على حصول ما بعدها ، أي هلا أنزلت سورة في أمر الجهاد .

محكمة : بينة واضحة لا احتمال فيها لشيء آخر .

مرض : ضعف إيمان ونفاق .

المغشي عليه من الموت : من حضرته أعراض الموت وغشيته .

أولى لهم : ويل لهم ، كما قال تعالى : { أولى لك فأولى } . ( القيامة : 34 ) .

التفسير :

20- { وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ } .

يتشوق المؤمنون إلى نزول آيات من كتاب الله ليتسابقوا إلى العمل بما فيها من تكاليف أو جهاد ، ويقولون : هلا أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة جديدة ، لنستمع إلى وحي السماء ، وننفذ أوامر ربنا إذا طلب منا الجهاد ، فإذا أنزل الله سورة محكمة ، واضحة في أوامرها ، لا تحتمل وجها آخر ، بل هي صريحة في طلب الجهاد ، فإن المنافقين يعتريهم الخوف والخور ، والجبن والتردد ، وينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، { نظر المغشي عليه من الموت . . . } وهو الذي نزل الموت بساحته ، فأبلس واضطرب ، وأغمي عليه من الخوف والجبن .

{ فأولى لهم } . أي : فالويل والهلاك لهم ، كما قال سبحانه وتعالى : { أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى } . ( القيامة : 34 ، 35 ) . أي : هلاكا وسعيرا لك .

ويجوز أن يكون المعنى كالآتي :

{ فأولى لهم } . أي : أفضل لهم وأولى بهم أن يطيعوا الله ورسوله ، وأن يقولوا : طاعة وقول معروف .

وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ( 77 ) } . ( النساء : 77 ) .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

قوله تعالى : { ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم 20 طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم 21 فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم 22 أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } .

يبين الله جل جلاله ههنا حال المؤمنين الصادقين الذين يتمنون نزول آية من عند الله تأمرهم بالجهاد طلبا لرضى الله وثوابه ورغبة في دفع الظلم والظالمين . وذلك بخلاف المرتابين والخائرين المنافقين فإنهم إذا أنزلت آية في القتال غشيهم من الرعب والجزع ما غشيهم . وذلك لفرط جبنهم وخورهم وفساد قلوبهم . وهو قوله سبحانه { ويقول الذين آمنوا نزلت سورة } أي يقول المؤمنون المخلصون : هلا نزّلت من عند الله سورة تأمر بقتال الكافرين ، وذلك بسبب عشقهم نزول القرآن ولعظيم حبهم للجهاد في سبيل الله . وذلك كله يكشف عن حقيقة الإخلاص في نفوس هؤلاء المؤمنين الصادقين المخبتين إلى ربهم .

قوله : { فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال } إذا أنزل الله سورة محكمة لا نسخ فيها ، أو مبيّنة غير متشابهة وقد فرض فيها الجهاد وقتال المشركين { رأيت الذين في قلوبهم مرض } أي رأيت المرتابين من الناس الذين ران على قلوبهم الشك والنفاق { ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت } يعني تشخص أبصارهم من فرط الهلع والجزع ، فهم ينظرون إليك نظر من يشخص بصره عند الموت { فأولى لهم } وذلك تهديد لهؤلاء الجبناء الخائرين الذين في قلوبهم مرض ، أو الذين يعبدون الله على حرف . و المعنى : فويل لهم .