تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِيرُ} (11)

المفردات :

الفوز الكبير : أي الذي تصغر الدنيا بأسرها عنده ، بما فيها من رغائب لا تفنى .

التفسير :

11- إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير .

هذا هو التعقيب على عذاب المؤمنين ، أي : بينما الذين فتنوا المؤمنين وعذبوهم يصطلون بعذاب جهنم وعذاب الحريق ، نجد الذين آمنوا بالله ربا ، وعملوا أعمالا صالحة ، وامتثلوا أوامر ربهم ، وهدى نبيهم ، ونفّذوا أحكام دينهم ، يتمتعون بجنات تجري من تحتها الأنهار ، فيها ألوان النعيم ورضوان من الله أكبر .

ذلك الفوز الكبير . ذلك هو الفوز الأكبر ، والنجاح الأعظم ، والخاتمة الناجحة للمؤمنين .

لقد كانت هناك معركة بين الكفار المعتدين والمؤمنين الذين آمنوا بالله الذي له ملك السماوات والأرض ، وقد حرّق المؤمنون في الأخدود أمام أعين الظالمين ، لكن المعركة لم ننته بعد ، لقد أدخل الكفار عذاب جهنم وعذاب الحريق ، وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار . ذلك الفوز الكبير .

قال صاحب الظلال :

والفوز : النجاة والنجاح ، والنجاة من عذاب الآخرة فوز ، فكيف بالجنات تجري من تحتها الأنهار ، بهذه الخاتمة يستقر الأمر في نصابه ، وهي الخاتمة الحقيقية للموقف ، فلم يكن ما وقع في الأرض إلا طرفا من أطرافه ، لا يتم به تمامه . . . وهذه هي الحقيقة التي يهدف إليها هذا التعقيب الأول على الحادث ، لتستقر في قلوب القلة المؤمنة في مكة ، وفي قلوب كل فئة مؤمنة ، تتعرض للفتنة على مدار القرون . ii .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِيرُ} (11)

ولما ذكر عقاب المعاندين بادئاً به لأن المقام له ، أتبعه ثواب العابدين ، فقال مؤكداً لما لأعدائهم من إنكار ذلك : { إن الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان ولو على أدنى الوجوه من المقذوفين في النار وغيرهم من كل طائفة في كل زمان{[72502]} { وعملوا الصالحات } تصديقاً لإيمانهم وتحقيقاً له . ولما كان الله سبحانه من رحمته قد تغمد أولياءه بعنايته ولم يكلهم إلى أعمالهم لم يجعلها سبب سعادتهم فلم يقرن بالفاء قوله : { لهم } أي جزاء {[72503]}مقاساتهم لنيران{[72504]} الدنيا من نار الأخدود الحسية التي ذكرت ، ومن نيران الغموم والأحزان المعنوية التي يكون المباشر لأسبابها غيره سبحانه فيكون المقاسي لها مع حفظه للدين{[72505]} كالقابض على الجمر { جنّات } أي فضلاً منه { تجري } وقرب منالها بالجار فقال : { من تحتها } أي{[72506]} تحت غرفها وأسرتها وجميع أماكنها { الأنهار } يتلذذون ببردها في نظير ذلك الحر الذي صبروا عليه في الدنيا ويروقهم النظر إليها مع خضرة الجنان والوجوه الحسان الجالبة للسرور الجالية-{[72507]} للأحزان .

ولما ذكر هذا الذي يسر النفوس ويذهب البؤس ، فذلكه-{[72508]} بقوله : { ذلك } أي الأمر العالي الدرجة العظيم البركة{[72509]} { الفوز } أي الظفر بجميع المطالب لا غيره { الكبير * } كبراً لا تفهمون منه أكثر من ذكره بهذا الوصف على سبيل الإجمال ، وذلك أن من كبره أن هذا الوجود كله يصغر عن أصغر شيء منه .


[72502]:زيد في الأصل و ظ: من الأزمان، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[72503]:من ظ و م، وفي الأصل: لمقاساتهم لنار.
[72504]:من ظ و م، وفي الأصل: لمقاساتهم لنار.
[72505]:من ظ و م، وفي الأصل: بالدين.
[72506]:زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72507]:زيد من ظ و م.
[72508]:زيد من ظ و م.
[72509]:زيد في الأصل و ظ: وهو، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.