إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِيرُ} (11)

{ إِنَّ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات } على الإطلاقِ منَ المفتونينَ وغيرِهم { لَهُمْ } بسببِ ما ذكرَ من الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ { جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار } إنْ أريدَ بالجناتِ الأشجارَ فجريانُ الأنهارِ من تحتِها ظاهر وإن أريدَ بها الأرضَ المشتملةَ عليَها فالتحتيةِ باعتبارِ جزئِها الظاهرِ فإن أشجارَها ساترةٌ لساحتِها كما يعربُ عنْهُ اسمُ الجنةِ وقد مرَّ بيانُه مراراً { ذلك } إشارةٌ إمَّا إلى الجناتِ الموصوفةِ والتذكيرُ لتأويلِها بما ذكرَ للإشعارِ بأنَّ مدارَ الحكمِ عنوانُهَا الذي يتنافس فيه المتنافسون فإنَّ اسمَ الإشارةِ متعرضٌ لذاتِ المشارِ إليهِ منْ حيثُ اتصافُهُ بأوصافِه المذكورةِ لا لذاتِه فقطْ كما هُوَ شأنُ الضميرِ فإذا أشيرَ إلى الجناتِ منْ حيثُ ذكرُهَا فقدِ اعتبرَ مَعَها عنوانُها المذكورُ حتماً وإما إلى ما يفيدُه قولُه تعالَى لهم جناتٌ الخ من حيازتِهم لَها فإنَّ حصولَها لهُم مستلزمٌ لحيازتِهم لها قَطْعاً وأياً ما كانَ فما فيهِ منْ مَعْنى البُعدِ للإيذانِ بعلوِّ درجتِه وبعدِ منزلتِه في الفضلِ والشرفِ ومحله الرفعُ علَى الابتداءِ حبرُهُ ما بعدُه أي ذلكَ المذكورُ العظيمُ الشأنِ { الفوز الكبير } الذي يصغُرُ عندَهُ الدُّنيا وَمَا فِيْهَا منْ فنونِ الرغائبِ بحذافيرِها والفوزُ النجاةُ منَ الشرِّ والظفرُ بالخيرِ فعَلى الأولِ هو مصدرٌ أطلقَ على المفعولِ مبالغةً وعَلى الثانِي مصدرٌ عَلَى حالِه .