38 ، 39- { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون } .
هذا الكون البديع المنظم الذي أحكم الله خلقه بنسب معينة ، وتقدير حكيم ، فسبحان الذي أتقن كل شيء خلقه ، وهذا الإتقان ظاهر في كل ما خلق وأبدع ونظم بنسب معينة ، ونظام دقيق ، يسير هذا الكون وفق نظامه ، ثم خلق الله الإنسان وميزه بالعقل ، ومنحه الإرادة والاختيار ، والقدرة على الطاعة والمعصية ، ولما كانت الدنيا ليست دار جزاء ، بل هي عرض زائل يأكل منها البر والفاجر ، لذلك كان لابد من دار جزاء يتم فيها البعث والحشر والحساب والجزاء ، ومكافأة المحسنين ومعاقبة المجرمين .
لم نخلق هذا الكون عبثا وباطلا ، بل خلقنا السماوات والأرض بالحق والعدل ، ومن أجل حكمة عليا هي أن يستدل الناس بهما على قدرة الخالق ، وأن يتأملوا فيهما ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك لقلة نظرهم ، فصاروا لا يرجون ثوابا ولا يخشون عقابا .
وفي معنى هاتين الآيتين وردت آيات كثيرة في كتاب الله ، منها ما ورد في أواخر سورة ( آل عمران ) ، وفيها يقول الله تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 190 ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( 191 ) } . ( آل عمران : 190 ، 191 ) .
وأيضا قوله تعالى : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم } . ( المؤمنون : 115 ، 116 ) .
وكقوله عز وجل : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ( 27 ) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ( 28 ) } . ( ص : 27 ، 28 ) .
ولما كان التقدير للاستدلال على الجزاء الذي جامعه التكفل بجميع أنحائه{[57607]} يوم القيامة : فإنا ما خلقنا الناس عبثاً يبغي بعضهم على بعض ثم لا يؤاخذون{[57608]} ، عطف عليه ما هو أكبر في الظاهر منه فقال : { وما خلقنا السماوات } أي على عظمها{[57609]} واتساع كل واحدة منها واحتوائها لما تحتها ، وجمعها{[57610]} لأن العمل كلما زاد كان أبعد من العبث{[57611]} مع أن إدراك تعددها مما يقتضي{[57612]} المشاهدة بما فيها من الكواكب ، ووحد في سورة الأنبياء تخصيصاً بما يتحقق المكذبون بالبعث رؤيته لما ذكر هناك{[57613]} من اختصاص " لدن " بما بطن .
ولما كان الدليل على تطابق الأراضي دقيقاً{[57614]} وحدها فقال{[57615]} : { والأرض } أي على ما فيها من المنافع { وما بينهما } أي النوعين وبين كل واحدة منها [ وما-{[57616]} ] يليها { لاعبين * } أي على ما لنا من العظمة {[57617]}التي يدرك من{[57618]} له أدنى عقل تعاليها عن اللعب لأنه لا يفعله إلا ناقص ، ولو{[57619]} تركنا الناس يبغي بعضهم على بعض كما تشاهدون ثم لا نأخذ لضعيفهم بحقه من قويهم لكان خلقنا لهم لعباً ، بل اللعب أخف [ منه-{[57620]} ] ، ولم نكن على ذلك التقدير مستحقين لصفة القدوسية ، فإنه " لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها بالحق من قويها غير متعتع{[57621]} - رواه ابن ماجة عن أبي سعيد وابن جميع في معجمه عن جابر ، وصاحب الفردوس عن أبي موسى رضي الله عنهم رفعوه ، وهو شيء لا يرضى به لنفسه أقل حكام{[57622]} الدنيا ، فكان هذا برهاناً قاطعاً على صحة الحشر ليظهر هناك الفصل بالعدل والفضل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.