لافتدوا به : لقدّموه فداء من العذاب .
يحتسبون : يدخل في تقديرهم وحسابهم .
47-{ ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } .
لو أن الكافرين الذين ظلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وظلموا أنفسهم بالكفر ، كانوا يملكون جميع ما في الأرض من خيرات ونعم ، ويملكون مثله معه ، لافتدوا به أنفسهم من سوء العذاب ، وهوله وشدته يوم القيامة ، حيث يظهر لهم من أهوال القيامة ، وألوان العذاب ، وغضب الجبار عليهم ، ما لم يكن يخطر لهم على بال ، وفي الآية تفخيم لألوان العذاب والنكال الذين ينزل بالكافرين ، يقابله أن المتقين يجدون في الجنة ما لم يكن يخطر لهم على بال من ألوان النعيم .
قال تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } . ( السجدة : 17 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " {[606]} .
ترقبوا أيها الظالمون هولا وعذابا لم يخطر لكم على بال ، وقد تكرر معنى الآية في القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله تعالى : { إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم * يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم } . ( المائدة : 36 ، 37 ) .
{ 47 - 48 } { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }
لما ذكر تعالى أنه الحاكم بين عباده ، وذكر مقالة المشركين وشناعتها ، كأن النفوس تشوقت إلى ما يفعل اللّه بهم يوم القيامة ، فأخبر أن لهم { سُوءَ الْعَذَابِ } أي : أشده وأفظعه ، كما قالوا أشد الكفر وأشنعه ، وأنهم على - الفرض والتقدير - لو كان لهم ما في الأرض جميعا ، من ذهبها وفضتها ولؤلؤها وحيواناتها وأشجارها وزروعها وجميع أوانيها وأثاثها ومثله معه ، ثم بذلوه يوم القيامة ليفتدوا به من العذاب وينجوا منه ، ما قبل منهم ، ولا أغنى عنهم من عذاب اللّه شيئا ، { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
قوله تعالى : " ولو أن للذين ظلموا " أي كذبوا وأشركوا " ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة " أي من سوء عذاب ذلك اليوم . وقد مضى هذا في سورة " آل عمران " {[13321]} و " الرعد " {[13322]} . " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " من أجل ما روي فيه ما رواه منصور عن مجاهد قال : عملوا أعمالا توهموا أنها حسنات فإذا هي سيئات . وقاله السدي . وقيل : عملوا أعمالا توهموا أنهم يتوبون منها قبل الموت فأدركهم الموت قبل أن يتوبوا ، وقد كانوا ظنوا أنهم ينجون بالتوبة . ويجوز أن يكونوا توهموا أنه يغفر لهم من غير توبة ف " بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " من دخول النار . وقال سفيان الثوري في هذه الآية : ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء هذه آيتهم وقصتهم . وقال عكرمة بن عمار : جزع محمد بن المنكدر عند موته جزعا شديدا ، فقيل له : ما هذا الجزع ؟ قال : أخاف آية من كتاب الله " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب .
ولما كان التقدير : فيعذب الظالمين فلو علموا ذلك لما ظنوا بادعائهم له سبحانه ولداً وشركاء يقربونهم إليه زلفى منهم بجلاله ونزاهته عما ادعوه له وكماله ، عطف عليه تهويلاً للأمر قوله : { ولو أن } وكان الأصل : لهم - ولكنه قال تعميماً وتعليقاً بالوصف : { للذين ظلموا } أي وقعوا في الظلم في شيء من الأشياء ولو قال { ما في الأرض } ولما كان الأمر عظيماً أكد ذلك بقوله : { جميعاً } وزاد في تعظيمه بقوله : { ومثله } وقال : { معه } ليفهم بدل الكل جملة لا على سبيل التقطيع { لافتدوا } أي لاجتهدوا في طلب أن يفدوا { به } أنفسهم { من سوء العذاب } وبين الوقت تعظيماً له وزيادة في هوله فقال : { يوم القيامة } روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذاباً : لو أن لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به ؟ فيقول : نعم ، فيقول : قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم عليه السلام أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي "
قوله : أردت أي فعلت معك بالأمر فعل المريد وهو معنى قوله في رواية : قد سألتك .
ولما كان التقدير : ولو كان لهم ذلك وافتدوا به ما قبل منهم ولا نفعهم ، لأن ذلك الوقت وقت الجزاء لا وقت العمل ، واليوم وقت العمل لا وقت الجزاء ، فلو أنفقوا فيه أيسر شيء على وجهه قبل منهم ، عطف عليه من أصله لا على جزائه قوله معظماً الأمر بصرف القول إلى الاسم الأعظم : { وبدا } أي ظهر ظهوراً تاماً { لهم } في ذلك اليوم { من الله } أي الملك الأعظم ، وهول أمره بإبهامه ليكون ضد
{ فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعين }[ السجدة : 17 ] فقال : { ما لم يكونوا } بحسب جبلاتهم وما فطروا عليه من الإهمال والتهاون { يحتسبون * } أي لم يكن في طبائعهم أن يتعمدوا أن يحسبوه وتجوزه عقولهم من العذاب ، وما كان كذلك كان أشق على النفس وأروع للقلب
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.