تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ} (3)

المساواة في الإسلام

بسم الله الرحمان الرحيم

{ عبس وتولّى 1 أن جاءه الأعمى 2 وما يدريك لعله يزّكّى 3 أو يذّكّر فتنفعه الذكرى 4 أما من استغنى 5 فأنت له تصدّى 6 وما عليك ألاّ يزّكّى 7 وأما من جاءك يسعى 8 وهو يخشى 9 فأنت عنه تلهّى 10 كلاّ إنها تذكرة 11 فن شاء ذكره 12 في صحف مكرّمة 13 مرفوعة مطهّرة 14 بأيدي سفرة 15 كرام بررة 16 }

المفردات :

عبس : قطّب وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم .

تولى : أعرض بوجهه الشريف صلى الله عليه وسلم .

لعله يزكى : يتطهر بتعليمك من دنس الجهل .

أو يذكر : يتعظ بنصائحك .

1

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4- عبس وتولّى* أن جاءه الأعمى* وما يدريك لعله يزّكّى* أو يذّكّر فتنفعه الذكرى .

يجئ رجل فقير ضرير ، هو عبد الله بن مكتوم ، وأم مكتوم كنية أمه ، واسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية ، وقد أسلم بمكة قديما ، وكان أعمى ، وقد عمي بعد إبصار ، وقيل : ولد أعمى .

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش وأشرافها ، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم خلق كثير ، فقال ابن أم مكتوم ، يا رسول الله ، أقرئني وعلّمني مما علمك الله ، وكرر ذلك ، وهو لا يعلم انشغاله صلى الله عليه وسلم بالقوم ، فكره صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه ، وظهرت الكراهية في وجهه ، فعبس وأعرض عنه ، فنزلت هذه الآيات عتابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

عبس وتولّى* أن جاءه الأعمى .

بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب ، وفي هذا الأسلوب ، إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب سبحانه أن يواجه به نبيه وحبيبه ، عطفا عليه ورحمة به ، وإكراما له عن المواجهة بهذا الأمر الكريه .

والمعنى :

قطّب النبي صلى الله عليه وسلم وجهه وأعرض لأن عبد الله بن أم مكتوم الأعمى جاء إليه ساعيا ، طالبا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلّمه ، والأعمى لم يكن مشاهدا للأشخاص الذين انشغل النبي صلى الله عليه وسلم بمحاورتهم ومحاولة إقناعهم بالإسلام والقرآن والإيمان .

وما يدريك لعله يزّكّى* أو يذّكّر فتنفعه الذكرى .

وما يعلمك يا محمد ، لعل هذا الأعمى الفقير يصير زاكيا متطهرا من الذنوب بسبب ما يتعلمه منك ، أو يتذكر فيتعظ بما تعلّمه من المواعظ فتنفعه الموعظة .

وكان هذا التصرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة ترك الاحتياط وترك الأفضل ، وأراد الحق سبحانه أن يوجّه الأمة كلها في شخص رسولها صلى الله عليه وسلم ، أن تكون العناية بالمخبر لا بالمظهر ، فهذا الأعمى الفقير له رغبة في معرفة الحق وتعلّم أمور الدين ، فالاتجاه إليه وتعليمه أولى من الانشغال بالأغنياء الأقوياء ، المعرضين عن الحق وعن الإسلام .

قال الشيخ محمد عبده في تفسير جزء عمّ ما يأتي :

فكأنه يقول : يا أيها النبيّ ، إن أقبلت فأقبل على العقل الذكيّ ، والقلب النقيّ ، وإياك أن تنصرف عنه إلى ذي الجاه القوي ، والمكان العليّ ، فذلك إنسان بنفسه ، حيّ بطبعه ، وهذا غائب عن حسّه ، معدوم بذاته ، موجود بجمعه ، وفي ذلك من تأديب الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما لو تأدبوا به لكانوا اليوم أرشد الأمم –هداهم الله .

وما يدريك لعله يزّكّى* أو يذّكّر فتنفعه الذكرى .

يتجه التعبير إلى الخطاب ، فيقول للرسول صلى الله عليه وسلم : وما يعلمك يا محمد ، لعل هذا الأعمى الفقير –إذا علّمته- أن يتطهر ، وأن تشرق نفسه ، وأن يسمو قلبه ، أو أن تتسلل الذكرى إلى نفسه ، والموعظة إلى فؤاده ، فتنفعه هذه الذكرى ، وتوجهه إلى الخير والنفع .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ} (3)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا محمد، لعلّ هذا الأعمى الذي عَبَست في وجهه" يَزّكّى": يقول: يتطهّر من ذنوبه...

قال ابن زيد، في قوله: "لَعَلّهُ يَزّكّى": يُسْلِم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

و: لعل من الله واجب. وقوله: {يزكى} أن يتزكى بعلمه ونيته.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

... معنى قوله (يزكى) أي يتزكى بالعمل الصالح...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَمَا يُدْرِيكَ} وأي شيء يجعلك دارياً بحال هذا الأعمى؟...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

أي وما يطلعك على أمره وعقبى حاله، ثم ابتدأ القول: {لعله يزكى} أي تنمو بركته وتطهره لله وينفعه إيمانه،...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أي شيء يجعلك داريا بحال هذا الأعمى لعله يتطهر بما يتلقن منك، من الجهل أو الإثم، أو يتعظ فتنفعه ذكراك أي موعظتك، فتكون له لطفا في بعض الطاعات، وبالجملة فلعل ذلك العلم الذي يتلقفه عنك يطهره عن بعض ما لا ينبغي، وهو الجهل والمعصية، أو يشغله ببعض ما ينبغي وهو الطاعة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وما يدريك} أي وأي شيء يجعلك دارياً بحاله وإن اجتهدت في ذلك، فإن ذوات الصدور لا يعلمها إلا الله تعالى {لعله} أي الأعمى {يزكى} أي يكون بحيث يرجى تطهره ونمو أحواله الصالحة بما يسمع منك ولو على أدنى الوجوه بما يشير إليه إدغام تاء الافتعال، وكذا قوله: {أو يذكر}...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

والخلاصة: إنك لا تدري ما هو مترقب منه من تزك أو تذكر، ولو دريت لما كان الذي كان...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(وما يدريك لعله يزكى؟ أو يذكر فتنفعه الذكرى؟).. ما يدريك أن يتحقق هذا الخير الكبير. أن يتطهر هذا الرجل الأعمى الفقير -الذي جاءك راغبا فيما عندك من الخير- وأن يتيقظ قلبه فيتذكر فتنفعه الذكرى. وما يدريك أن يشرق هذا القلب بقبس من نور الله، فيستحيل منارة في الأرض تستقبل نور السماء؟ الأمر الذي يتحقق كلما تفتح قلب للهدى وتمت حقيقة الإيمان فيه. وهو الأمر العظيم الثقيل في ميزان الله...

.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

(وما يدريك) مركبة من (ما) الاستفهامية وفعل الدّراية المقترن بهمزة التعدية، أي ما يجعلك دارياً أي عالماً...

والاستفهام في هذه التراكيب مراد منه التنبيه على مغفول عنه...

. {وما يدريك لعله يزكى}. والمعنى أيُّ شيء يجعلك دارياً. وإنما يستعمل مثله لقصد الإجمال ثم التفصيل. قال الراغب: ما ذكر ما أدراك في القرآن إلا وذكر بيانه بعده ا ه. قلت: فقد يُبينه تفصيلٌ مثل قوله هنا: {وما يدريك لعله يزكى} وقوله: {وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر: 2 3] وقد يقع بعده ما فيه تهويل نحو: {وما أدراك ماهيه} [القارعة: 10] أي ما يعلمك حقيقتها...

والتذكر: حصول أثر التذكير، فهو خطور أمر معلوم في الذهن بعد نسيانه إذ هو مشتق من الذُّكر بضم الذال. والمعنى: انظر فقد يكون تزكِّيهِ مرجواً، أي إذا أقبلت عليه بالإِرشاد زاد الإِيمان رسوخاً في نفسه وفَعل خيرات كثيرة مما ترشده إليه فزاد تزكية، فالمراد ب « يتزكى» تزكية زائدة على تزكية الإِيمان بالتملّي بفضائل شرائعه ومكارم أخلاقه مما يفيضه هديك عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة " إذ الهدى الذي يزداد به المؤمن رفعة وكمالاً في درجات الإِيمان هو كاهتداء الكافر إلى الإيمان لا سيما إذ الغاية من الاهتداءين واحدة...

.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

الأولوية لمن يتزكى:

ولكنّ الله يوجه المسألة إلى ما هو الأعمق في قضية الأهمية في مصلحة الرسالة، باعتبار أن هذا الأعمى قد يتحول إلى داعيةٍ إسلاميٍ كبيرٍ، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} في ما يمكن أن يستلهمه من آيات القرآن التي يسمعها، مما يُغْني له روحه، فتصفو أفكاره، وترقّ مشاعره...

مما يؤثّر تأثيراً إيجابياً على حركته في الدعوة، فيحصل من ذلك على خيرٍ كبير...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ} (3)

ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيسا له فقال : " وما يدريك " أي يعلمك " لعله " يعني ابن أم مكتوم " يزكى " بما استدعى منك تعليمه إياه من القرآن والدين ، بأن يزداد طهارة في دينه ، وزوال ظلمة الجهل عنه . وقيل : الضمير في " لعله " للكافر يعني إنك إذا طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذكر ، فتقربه الذكرى إلى قبول الحق وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن . وقرأ الحسن " آأن{[15800]} جاءه الأعمى " بالمد على الاستفهام ف " أن " متعلقة بفعل محذوف دل عليه " عبس وتولى " التقدير : آأن جاءه أعرض عنه وتولى ؟ فيوقف على هذه القراءة على " وتولى " ، ولا يوقف عليه على قراءة الخبر ، وهي قراءة العامة .

السادسة- نظير هذه الآية في العتاب قوله تعالى في سورة الأنعام : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " [ الأنعام : 52 ] وكذلك قول في سورة الكهف : " ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " [ الكهف : 28 ] وما كان مثله ، والله أعلم .


[15800]:قال الزمخشري: وقرىء "آأن" بهمزتين وألف بينهما.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ} (3)

ولما عرف بسياق الغيبة ما أريد من الإجلال ، وكان طول الإعراض موجباً للانقباض ، أقبل عليه صلى الله عليه وسلم فقال : { وما يدريك } أي وأي شيء يجعلك دارياً بحاله وإن اجتهدت في ذلك فإن ذوات الصدور لا يعلمها إلا الله تعالى { لعله } أي الأعمى { يزكى } أي يكون بحيث يرجى تطهره ونمو أحواله الصالحة{[71597]} بما يسمع منك{[71598]} ولو على أدنى الوجوه بما يشير إليه إدغام تاء الافتعال ، وكذا قوله : { أو يذكر }


[71597]:من م، وفي الأصل و ظ: الصالح.
[71598]:من ظ، وفي الأصل و م: منه.