{ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ ( 57 ) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ( 58 ) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ( 59 ) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ( 60 ) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( 61 ) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ( 62 ) }
57- { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } .
نحن خلقناكم أيها الناس من العدم ، فهلا تصدّقون بالبعث ، فإن من قدر على البدء قادر على الإعادة .
قال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ } . ( المؤمنون : 12-16 ) .
أو خلقنا آدم من تراب ثم جعلناه بشرا سويا ، فهلا صدقتم أن من أوجدكم من العدم قادر على إعادتكم .
قال تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه . . . } ( الروم : 27 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{نحن خلقناكم} ولم تكونوا شيئا وأنتم تعلمون ف {فلولا} يعني فهلا {تصدقون} بالبعث...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدّقونَ" يقول تعالى ذكره لكفار قريش والمكذّبين بالبعث: نحن خلقناكم أيها الناس ولم تكونوا شيئا، فأوجدناكم بشرا، فهلا تصدّقون من فعل ذلك بكم في قيله لكم: إنه يبعثكم بعد مماتكم وبِلاكم في قبوركم، كهيأتكم قبل مماتكم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{نحن خلقناكم فلولا تصدقون} هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: يقول لما صدقتموني ورسلي بأنا خلقناكم في الابتداء، فهلا صدقتمونا ورسلنا بأنا نعيدكم تارة أخرى؟ إذ الأعجوبة في ابتداء الأشياء أكثر منها في الإعادة، وهو ما قال: {وهو أهون عليه} [الروم: 27].
والثاني: إنكم صدّقتموه ورسله أنه أنشأكم في بطون أمهاتكم في الظلمات الثلاث، ونقلكم من حال إلى حال، لا يحتمل أن يترككم سدى بلا عاقبة، فيكون فيه إثبات البعث؛ إذ لولا ذلك لكان خلقهم وتحويلهم من حال إلى حال عبثا كما قال تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون: 115] والله أعلم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أخبر تعالى أنه الخالق، وحضض على التصديق على وجه التقريع...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{فلولا تصدقون} أي بالخلق وهم وإن كانوا مقرين به لقوله {لئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} إلا أنه نزل منزلة العدم والإنكار لأنه إذا لم يقترن بالطاعة، والأعمال الصالحة، لا يعد تصديقا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إن هذا الأمر أمر النشأة الأولى ونهايتها. أمر الخلق وأمر الموت. إنه أمر منظور ومألوف وواقع في حياة الناس. فكيف لا يصدقون أن الله خلقهم؟ إن ضغط هذه الحقيقة على الفطرة أضخم وأثقل من أن يقف له الكيان البشري أو يجادل فيه: (نحن خلقناكم فلولا تصدقون!)..
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
بما أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن تكذيب الضالّين ليوم المعاد، فإنّ الآيات اللاحقة استعرضت سبعة أدلّة على هذه المسألة المهمّة، كي يتركّز الإيمان وتطمئن القلوب بالوعود الإلهيّة التي وردت في الآيات السابقة حول «المقرّبين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال»، وأساساً فانّ أبحاث هذه السورة تتركّز على بحث المعاد بشكل عامّ. يقول سبحانه في المرحلة الأولى: (نحن خلقناكم فلولا تصدّقون)... هذه الاستدلالات في الحقيقة شبيهة بما جاء في قوله تعالى: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة وهو بكلّ خلق عليم).
ولما ذكر الواقعة وما يكون فيها للأصناف الثلاثة ، وختم بها على وجه بين فيه حكمتها وكانوا ينكرونها ، دل عليه بقوله : { نحن } أي لا غيرنا { خلقناكم } أي بما لنا من العظمة ، ولعل هذا الخطاب للدهرية المعطلة من العرب . ولما كانوا منكرين للبعث عدوا منكرين للابتداء{[62162]} وإن كانوا من المخلصة بالمقرين بالخالق لأنهما لما بينهما من الملازمة لا انفكاك لأحدهما عن الآخر فقال : { فلولا } أي فتسبب عن ذلك أن يقال تهديداً ووعيداً : هلا ولم لا { تصدقون * } أي بالخلق الذي شاهدتموه ولا منازع لنا فيما فيه فتصدقوا بما لا يفرق بينه وبينه إلا بأن يكون أحق منه في مجاري عاداتكم ، وهو الإعادة فتعملوا عمل العبيد لساداتهم ليكون حالكم حال مصدق بأنه مربوب .
قوله تعالى : { نحن خلقناكم فلولا تصدقون 57 أفرأيتم ما تمنون 58 ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون 59 نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين 60 على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون 61 ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون } .
ذلك تقرير لحقيقة المعاد الذي لا ريب فيه ، إذ يرد الله مقالة الكافرين الذين يكذبون بيوم القيامة ويجحدون البعث والنشور بعد الموت ، وقد صاروا عظاما نخرة . فقال سبحانه : { نحن خلقناكم فلولا تصدقون } يعني نحن بدأنا خلقكم ولم تكونوا شيئا . فلئن كنا قادرين على البداءة ، فأحرى أن نقدر على الإعادة { فلولا تصدقون } لولا ، أداة تحضيض بمعنى هلا ، أي فهلا تصدقون بأنكم مبعوثون ليوم القيامة .