{ وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون } .
وما يجحد بآياتنا : مع ظهورها وقيام الحجة على صدقها والجحد : إنكار الشيء بعد معرفته والعلم به .
أي : وكما أنزلانا التوراة على موسى والإنجيل على عيسى أنزلنا إليك القرآن كتاب الله الخالد المجرد من المثيل والنظير ، المشتمل على الإلهيات والتشريعات والآداب والقصص وأخبار السابقين ونظام الإسلام وآدابه وتشريعاته وأحكامه وحِكمِه .
فالذين آتيناهم التوراة والإنجيل كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأشباههما ممن أسلم من أهل الكتاب يؤمنون بالقرآن ويصدقون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
{ ومن هؤلاء من يؤمن به . . . } ومن أهل مكة من يؤمن بالقرآن كذلك مثل المتحنثين الذين تركوا الإثم والشرك وآمنوا بالقرآن عند نزوله مثل بحيرا الراهب .
{ وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون } .
لا يرفض الإسلام ولا يكذب بالقرآن إلا المتوغل في الكفر الذي يجحد بآيات الله مع ظهورها وقيام الحجة على صدقها أي فهؤلاء هم المتوغلون في الكفر المصرون على العناد .
وما يجحدون بآياتنا : وما ينكر .
ثم بين الله أنه لا عجبَ في إنزال القرآن على الرسول الكريم ، فهو على مثال ما أُنزل من الكتب من قبل ، فقال : { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب فالذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الكافرون } :
كما أنزلنا الكتب على من قبلَك من الرسل أنزلنا إليك القرآن ، فالذين آتيناهم الكتابَ قبل القرآن من اليهود والنصارى يؤمنون به ، إذ كانوا مصدّقين بنزوله حسب ما ورد في كتبهم .
ومن هؤلاء العربِ من يؤمن به ، وما يكذّب بآياتنا بعد ظهورها إلا المصرّون على الكفر .
ولما كان التقدير تعليلاً للأمر بهذا القول : إنا أنزلنا كتبهم إلى رسلهم ، عطف عليه قوله مخاطباً للرأس تخصيصاً له لئلا يتطرق لمتعنت طعن عموم أو اتهام في المنزل عليه : { وكذلك } أي ومثل ذلك الإنزال الذي أنزلناه إلى أنبيائهم { أنزلنا إليك الكتاب } أي هذا القرآن الذي هو الكتاب في الحقيقة ، لا كتاب غيره في علو كماله ، في نظمه ومقاله ، مصدقاً لما بين يديه : { فالذين } أي فتسبب عن إنزالنا له على هذا المنهاج أن الذين { آتيناهم } أي إيتاءاً يليق بعظمتنا ، فصاروا يعرفون الحق من الباطل { الكتاب } أي من قبل { يؤمنون به } أي بهذا الكتاب حقيقة كعبد الله بن سلام ومخيريق رضي الله عنهما ، أو مجازاً بالمعرفة به مع الكفر كحيي بن أخطب وخلق كثير منهم { ومن هؤلاء } أي العرب { من يؤمن به } أي كذلك في الحقيقة والمجاز في المعرفة بالباطن بأنه حق لما أقامه من البرهان على ذلك بعجزهم عن معارضته مع الكفر به ، وأدل دليل على ما أردته من الحقيقة والمجاز قوله : { وما يجحد } أي ينكر من الفريقين بعد المعرفة ، قال البغوي : قال قتادة : الجحود إنما يكون بعد المعرفة . { بآياتنا } التي حازت أقصى غايات العظمة حتى استحقت الإضافة إلينا { إلا الكافرون* } أي العريقون في ستر المعارف بعد ظهورها طمعاً في إطفاء نورها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.