15 ، 16- { إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون * يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } .
عندما استغاث كفار مكة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، رجاء أن يدعو الله لهم بنزول المطر ، استجاب النبي صلى الله عليه وسلم ودعا ربه فأنزل عليهم المطر ، وجاء الخصب وذهب القحط ، لكنهم لا وفاء لهم ، وما إن رأوا الخصب والنماء حتى عادوا إلى كفرهم وتكذيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، فتوعدهم الله تعالى بانتقام شديد وذلك يوم بدر ، حيث قتلت صناديدهم ، وذل كبرياؤهم ، وقتل منهم سبعون ، وأسر منهم سبعون وفر الباقون .
ورجح الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره ، وابن كثير في تفسيره ، أن البطشة الكبرى هي يوم القيامة .
جاء في ( صفوة التفاسير ) للأستاذ محمد علي الصابوني ما يأتي :
قال ابن مسعود : { البطشة الكبرى } . يوم بدر .
وقال ابن عباس : هي يوم القيامة .
وقال ابن كثير : والظاهر أن ذلك يوم القيامة ، وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضا .
وقال الرازي في التفسير الكبير :
القول بأن البطشة الكبرى هي يوم القيامة أصح ، لأن يوم بدر لا يبلغ هذا المبلغ الذي يوصف به هذا الوصف العظيم ، ولأن الانتقام التام إنما يحصل يوم القيامة ، ولما وصفت البطشة بكونها : { الكبرى } ، وجب أن تكون أعظم أنواع البطش على الإطلاق ، وذلك إنما يكون يوم القيامة . اه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إنا كاشفوا العذاب}، يعني الجوع.
{إنكم عائدون} إلى الكفر، فعادوا، فانتقم الله منهم ببدر فقتلهم. فذلك قوله {يوم نبطش البطشة الكبرى}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الذين أخبر عنهم أنهم يستغيثون به من الدخان النازل والعذاب الحالّ بهم من الجهد، وأخبر عنهم أنهم يعاهدونه أنه إن كشف العذاب عنهم آمنوا "إنا كاشفوا العذاب": يعني الضرّ النازل بهم بالخصب الذي نحدثه لهم "قَلِيلاً".
"إنّكُمْ عائِدُونَ": إنكم أيها المشركون إذا كَشَفْتُ عنكم ما بكم من ضرّ لم تفوا بما تعدون وتعاهدون عليه ربكم من الإيمان، ولكنكم تعودون في ضلالتكم وغيكم، وما كنتم قبل أن يكشف عنكم...
قوله: "إنّكُمْ عائِدونَ "قال: كُشِف عنهم فعادوا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون} قال بعضهم: إنكم عائدون إلى عذاب يوم القيامة، والله أعلم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
حيث نورثكم حزناً طويلاً، ولا تجدون في ظلال انتقامنا مقيلاً.
كما يكشف العذاب عنكم تعودون في الحال إلى ما كنتم عليه من الشرك، والمقصود التنبيه على أنهم لا يوفون بعهدهم وأنهم في حال العجز، يتضرعون إلى الله تعالى، فإذا زال الخوف عادوا إلى الكفر والتقليد لمذاهب الأسلاف.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
ومن قال: إن الدخان منتظر قال: أشار بهذا إلى ما يكون من الفرجة بين آية وآية من آيات قيام الساعة. ثم من قضي عليه بالكفر يستمر على كفره. ومن قال هذا في القيامة قال: أي لو كشفنا عنكم العذاب لعدتم إلى الكفر.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما لفت سبحانه الخطاب عنهم إهانة لهم، بين أن سببه أن داءهم عضال، فليس له أبداً زوال، فقال مؤكداً لاستبعادهم زوال ما هم فيه: {إنا} أي على ما لنا من العظمة بالعلم المحيط وغيره.
{كاشفوا العذاب} أي عنكم بدعاء رسولكم صل الله عليه وسلم في القول بأن الدخان ما كانوا يرونه بسبب الجوع من القحط.
{قليلاً} إقامة للحجة عليكم لا لخفاء ما في ضمائركم علينا.
ولما كانوا قد أكدوا الإخبار بأيمانهم وهو باطل، أكد سبحانه الإخبار بكذبهم، ومن أصدق منه سبحانه قيلاً، فقال تحقيقاً لقوله تعالى {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام:28] {وإنهم لكاذبون} [الأنعام: 28]: {إنكم عائدون} أي ثابت عودكم بعد كشفنا عنكم في ذلك الزمن القصير إلى الكفران وإن أكدتم حصول الإيمان بأكيد الإيمان لما في جبلاتكم من العوج ولطباعكم من المبادرة إلى الزلل.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
يجيء على مَا فسر به جميع المفسرين قولَه {ربنا اكشف عنا العذاب} [الدخان: 12]، أن هذه الجملة جواب لسؤالهم، ويجيء على ما درجنا عليه أن تكون هذه الجملة إعلاماً للنبيء صلى الله عليه وسلم بأنْ يُكشَف العذابُ المتوعَّد به المشركون مدةً، فيعودون إلى ما كانوا فيه، وعليه فضمير {إنكم عائدون} التفات إلى خطاب المشركين، أي يُمسكون عن ذلك مدة وهي المدة التي أرسلوا فيها وفْدَهم إلى المدينة ليسأل الرسولَ صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله بكشف القحط عنهم فإنهم أيامئذٍ يمسكون عن الطعن والذمّ رجاء أن يدعو لهم ثم يعودون لما كانوا فيه، كما قال تعالى: {وإذا مَسّ الإنسانَ ضرٌّ دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوّله نعمةً منه نَسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله} [الزمر: 8] كما اقتضى أن العذاب عائد إليهم بعد عودتهم إلى ما كانوا فيه من أسباب إصابتهم بالعذاب.
فمعنى {إنا كاشفوا العذاب}: إنا كاشفوه في المستقبل بقرينة قوله قبله {فارتَقب يوم تأتي السماء بدخان مبينٍ} [الدخان: 10] المقتضي أنه يحصل في المستقبل، والآية متصل بعضها ببعض وكذلك معنى {إنكم عائدون}، أي في المستقبل. واسم الفاعل يكون مراداً به الحصول في المستقبل بالقرينة. روي أنهم كشف عنهم القحط بعد استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم فحيُوا وحييت أنعامهم ثم عادُوا فعاودهم القحط كمال سبع سنين، ولعلها عقبها فتحُ مكة.
وجملة {إنكم عائدون} مستأنفة استئنافاً بيانياً لأنهم إذا سمعوا {إنا كاشفوا العذاب قليلاً} تطلّعوا إلى ما سيكون بعدَ كشفه، وتطلعَ المؤمنون إلى ما تصير إليه حال المشركين بعد كشف العذاب هل يقلعون عن الطعن فكان قوله: {إنكم عائدون} مبيناً لما يتساءلون عنه.
{إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ}
أي: عذاب الدنيا الذي نزل بهم، والذي سمَّاه القرآن العذاب الأدنى {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ الْعَذَابِ الأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21] سنكشف عنهم عذاب الدخان والقحط والجوع الذي اضطرهم لأنْ يأكلوا الميتة، سنكشفه عنكم قليلاً لنثبتَ لكم أنكم كاذبون ولو أمام أنفسكم لتقتنعوا بهذه الحقيقة؛ لأن المؤمنين بي يعرفونها ويشهدون بها، أما أنتم فتنكرونها.
أو يكشف كذبهم أمام الناشئة، منهم الذين لم يتمكن منهم الكفر فيحدث خلخلة في صفوفهم، ويظهر الكافرون على حقيقتهم فلا يُقلدهم أبناؤهم الذين يتابعون هذه المواقف، ويشاهدون كذبَ الآباء والأجداد.
وفعلاً رأينا من أبناء الكافرين مَنْ أسلم وأبلى في الإسلام بلاءً حسناً أمثال عكرمة بن أبي جهل وغيره، ممَّنْ عاينوا كذب الآباء وعدم وفائهم مع الله.
قوله تعالى : " إنا كاشفوا العذاب قليلا " أي وقتا قليلا ، وعد أن يكشف عنهم ذلك العذاب قليلا ، أي في زمان قليل ليعلم أنهم لا يفون بقولهم ، بل يعودون إلى الكفر بعد كشفه . قاله ابن مسعود . فلما كشف ذلك عنهم باستسقاء النبي صلى لهم الله عليه وسلم عادوا إلى تكذيبه . ومن قال : إن الدخان منتظر قال : أشار بهذا إلى ما يكون من الفرجة بين آية وآية من آيات قيام الساعة . ثم من قضي عليه بالكفر يستمر على كفره . ومن قال هذا في القيامة قال : أي لو كشفنا عنكم العذاب لعدتم إلى الكفر . وقيل : معنى " إنكم عائدون " إلينا ، أي مبعوثون بعد الموت . وقيل : المعنى " إنكم عائدون " إلى نار جهنم إن لم تؤمنوا .
ولما لفت سبحانه الخطاب عنهم إهانة لهم ، بين أن سببه أن داءهم عضال ، فليس له أبداً زوال ، فقال مؤكداً لاستبعادهم زوال ما هم فيه : { إنا } أي على ما لنا من العظمة {[57378]}بالعلم المحيط{[57379]} وغيره { كاشفوا العذاب } [ أي-{[57380]} ] عنكم بدعاء رسولكم صل الله عليه وسلم في القول بأن الدخان ما كانوا يرونه بسبب{[57381]} الجوع من القحط { قليلاً } إقامة للحجة عليكم لا لخفاء ما في ضمائركم علينا . ولما كانوا{[57382]} قد أكدوا الإخبار بأيمانهم{[57383]} ، وهو باطل ، أكد سبحانه الإخبار بكذبهم ، ومن أصدق منه سبحانه قيلاً{[57384]} ، فقال تحقيقاً لقوله تعالى{ ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه }[ الأنعام :28 ] { وإنهم لكاذبون }[ الأنعام : 28 ] : { إنكم عائدون{[57385]} * } أي ثابت عودكم بعد كشفنا عنكم في ذلك الزمن القصير إلى الكفران وإن أكدتم حصول الإيمان [ بأكيد الإيمان-{[57386]} ] لما في جبلاتكم من العوج ولطباعكم من المبادرة إلى الزلل ، فإيمانكم هذا الذي أخبرتم برسوخه عرض زائل وخيال باطل ، وإن كان هذا في آخر الزمان فلا يدع أن يكون الخطاب لهم على حقيقته بملك أو غيره ممن يرده الله تعالى لأن ذلك زمان خرق العادات ونقض المطردات إقامة للحجة عليهم وله الحجة البالغة ، وتأديباً لنا وتعليماً .