تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

المفردات :

لا يسأم : لا يمل .

الخير : النعيم ، كالمال والصحة والولد .

الشر : كل ضيق ، كالفقر والمرض وعدم الإنجاب .

اليأس : فقد الرجاء في الظفر بالشيء .

القنوط : يأس مفرط يظهر أثره على المرء ، فينكسر ويتضاءل .

التفسير :

49- { لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط } .

الكافر يرى أن الدنيا كل همه ، فهو حريص جدا على الخير ، بمعنى المال والجاه والسلطة ، وكل ما يتصل بذلك من ألوان النعيم التي يحرص عليها ، ولا يمل من طلبها ، وإذا أظلمت الدنيا وقل المال أو الجاه ، أو أصابه المرض أو الشر أو العسر ؛ أصابه اليأس والقنوط والانكسار ، وظهر ذلك في وجهه لأنه لا يعرف معنى اليقين والأمل في الله ، والصبر على البلاء ، والرضا بأحكام القضاء .

قال المفسرون :

نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة ، وقيل : في عتبة بن ربيعة ، وعموما فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

ملحوظة :

في الآية 49 من سورة فصلت :

{ لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط } .

وفي الآية 51 من نفس السورة :

{ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } .

ولا منافاة بين قوله تعالى : { فيئوس قنوط } .

وبين قوله تعالى : { فذو دعاء عريض } .

مع أن كلا القولين عند مس الشر ، لأن الأول في قوم ، والثاني في قوم آخرين ، أو يئوس قنوط بالقلب ، وذو دعاء عريض باللسان ، إن حالة الكافر أو العاصي تتلخص في حب المال ، واليأس والقنوط من ذهاب النعمة ، ولذلك فهو يتشبث بالدعاء العريض الكثير لترد عليه النعمة ، أما المؤمن فعنده يقين بالله ، إذا جاءت النعمة شكر الله وأنفق النعمة في وجوه الخير ، وإذا جاءت الشدة صبر واحتسب ثوابه عند الله .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، إن أصابته نعماء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )1 .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

لا يسأم : لا يملّ .

من دعاء الخير : من طلب المال ، ويطلق الخير على المال والصحة والجاه والسلطة وغيرها .

الشر : الفقر والمرض وكل سوء .

والقنوط : بضم القاف ، ظهور أثر اليأس على الإنسان من المذلة والانكسار .

ثم بين الله تعالى أن الإنسان متبدّل الأحوال ، لا يملّ من طل بالمال والمنفعة ، فان أحسّ بخيرٍ وقدرة وأقبلت عليه الدنيا ، تكبّر وصعَّر خدّه ، وإن أصابته محنة وبلاء تطامنَ ويئس من الفرج .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

قوله تعالى : " لا يسأم الإنسان من دعاء الخير " أي لا يمل من دعائه بالخير . والخير هنا المال والصحة والسلطان والعز . قال السدي : والإنسان ها هنا يراد به الكافر . وقيل : الوليد بن المغيرة . وقيل : عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف . وفي قراءة عبد الله " لا يسأم الإنسان من دعاء المال " . " وإن مسه الشر " الفقر والمرض " فيؤوس قنوط " " فيؤوس " من روح الله " قنوط " من رحمته . وقيل : " يؤوس " من إجابة الدعاء " قنوط " بسوء الظن بربه . وقيل : " يؤوس " أي يئس من زوال ما به من المكروه " قنوط " أي يظن أنه يدوم ، والمعنى متقارب .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَّا يَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَٰنُ مِن دُعَآءِ ٱلۡخَيۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٞ قَنُوطٞ} (49)

قوله تعالى : { لاَ يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ( 49 ) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ( 50 ) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } .

ذلك بيان من الله يكشف فيه عن حقيقة الإنسان في طبْعِهِ الجزوع ، وفي جنوحه للإسراع والعجلة وإسرافه الملحّ في دعاء الخير ، وذلك قوله : { لاَ يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ } الإنسان دأْبُهُ الإلحاح في المسألة والاستكثار من الخير ؛ فهو على الدوام لا يمل { مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ } والمراد هنا بالخير والعافية والجاه والسلطان ، أما المراد بالإنسان ، فقيل : الكافر ، وقيل : الوليد بن المغيرة ، أو عتبة بن ربيعة . والأولى بالصواب أن يراد بذلك أكثر الناس سواء منهم الكافرون والمنافقون أو ضعاف الإيمان والعقيدة من كثير المسلمين ، أولئك جميعا مجبولون على الهلع والجزع والإفراط في حب الدنيا والاستكثار من زينتها ومباهجها من المال والصحة والعز وحب الشهرة والاستعلاء .

قوله : { الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } الإنسان الخائر على اختلاف حقيقته من الكفر أو النفاق أو الضعف أو التهافت ؛ فإنه خائر مضطرب فهو إن أصابه الشر من فقر أو مرض أو خوف أو غير ذلك من وجوه البلاء صار آيسا قانطا ؛ إذ ييأس من فرج الله ويقنط من رحمته في كشف البلاء والضرِّ عنه ، وذلك هو دأب الإنسان الخاوي ، الذي خلا قلبه من الإيمان أو من عقيدة الإسلام ، وذلك بخلاف المؤمنين الثابتين على الحق في كل الأحوال والظروف ، أولئك الذين يخشون الله ، ويرجون منه العون والرحمة والمدد . ويسألونه في سائر الملابسات والتقلبات أن يشدّ أزرهم ويقوي عزائمهم ويرسِّخ فيهم القدرة على الاصطبار وأن يبدد من أمامهم المكاره والغُموم والكربات والمخاوف ، وأولئك هم المؤمنون الثابتون على منهج الله ، وهم على حالهم من الرسوخ والصبر والطمأنينة حتى يلقوا ربهم .