لا تجعلنا فتنة للذين كفروا : لا تسلطهم علينا ، فيفتنونا بعذاب لا نحتمله ، من قولهم : فتن الفضة ، أي : أذابها .
{ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
أي : لا تظهرهم علينا بالغلبة والتفوّق ، فيغريهم ذلك بفتنتنا وإيذائنا .
قال مجاهد : معناه : لا تعذبنا بأيديهم ، ولا بعذاب من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا .
وقل ابن عباس : لا تسلطهم علينا فيفتنونا بذلك .
وقال قتادة : لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك ، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحقٍّ هم عليه . واختاره ابن جريرviii .
ولبعض العلماء رأي آخر في فهم الآية ، وهو أن المراد بالفتنة هنا : اضطراب حال المسلمين وفساده ، وكونهم لا يصلحون أن يكونوا قدوة لغيرهم في وجوه الخير ، فيكون المعنى : يا رب لا تجعل أعمالنا وأقوالنا سيئة ، فيترتب على ذلك أن ينفر الكافرون من ديننا بحجة أنه لو كان دينا سليما لظهر أثره على أتباعه ، ولكانوا بعيدين عن كل تفرق وتباعد وتأخّرix .
لا تجعلنا مفتونين بسبب محبة الذين كفروا والتقرّب إليهم ، ومتابعتهم في سلوكهم ، وتقليدهم في ملابسهم وأفعالهم .
أي : لا تجعلنا مفتونين بهم ، مسخّرين لهم . x
{ وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
اغفر لنا ما فرط من الذنوب ، واجعلنا واثقين بفضلك ، إنك أنت ، الْعَزِيزُ . الغالب الذي لا يذلّ من التجأ إليه ، ولا يخيب رجاء من توكل عليه ، الْحَكِيمُ . الذي لا يفعل إلا ما فيه الخير والمصلحة .
لا تجعلنا فتنة للذين كفروا : لا تسلّطهم علينا فتنزل البلاء علينا بأيديهم .
ربّنا قد اعتمدْنا عليك في جميع أمورنا ، ورجعنا إليك بالتوبة ، ومصيرُنا إليك . فاقتدوا بهم أيها المؤمنون .
{ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ واغفر لَنَا } .
ربّنا لا تجعلّنا بحالٍ نكون فيها فتنة للكافرين ، بأن تُظهرَهم علينا فيفتنونا بذلك ، واغفر لنا ذنوبنا ، { رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم } .
{ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } أي : لا تسلطهم علينا بذنوبنا ، فيفتنونا ، ويمنعونا مما يقدرون عليه من أمور الإيمان ، ويفتنون أيضا بأنفسهم ، فإنهم إذا رأوا لهم الغلبة ، ظنوا أنهم على الحق وأنا على الباطل ، فازدادوا كفرا وطغيانا ، { وَاغْفِرْ لَنَا } ما اقترفنا من الذنوب والسيئات ، وما قصرنا به من المأمورات ، { رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ } القاهر لكل شيء ، { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها ، فبعزتك{[1054]} وحكمتك انصرنا على أعدائنا ، واغفر لنا ذنوبنا ، وأصلح عيوبنا .
{ ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا } في معناه قولان :
أحدهما : لا تنصرهم علينا فيكون ذلك لهم فتنة وسبب ضلالهم لأنهم يقولون غلبناهم فيكون ذلك لهم لأنا على الحق وهم على الباطل .
والآخر : لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن ديننا ، ورجح ابن عطية هذا ، لأنه دعاء لأنفسهم وأما على القول الأول فهو دعاء للكفار ولكن مقصدهم ليس الدعاء للكفار وإنما هو دعاء لأنفسهم بالنصر بحيث لا يفتتن الكفار بذلك .
ولما أخبروا بإسلامهم له سبحانه وعللوه بما اقتضى الإحاطة فاقتضى مجموع{[64521]} ذلك الثناء الأتم ، فلزم منه الطلب ، صرحوا به فقالوا داعين بإسقاط الأداة للدلالة على غاية قربه سبحانه بما له من الإحاطة : { ربنا } أي أيها المربي لنا والمحسن إلينا { لا تجعلنا } بإضعافنا والتسليط علينا { فتنة } أي موضع اختبار { للذين كفروا } بأن يعذبونا بعذاب يميلنا عما نحن عليه{[64522]} ويميلهم عما وصلوا{[64523]} إليه بسبب إسلامنا من الزلازل{[64524]} بما يوجب ذلك لهم من اعتقاد لو أنك كنت راضياً بديننا لكنا{[64525]} على الحق وكانوا هم على الباطل ما أمكنت منا ، فيزيدهم ذلك طغياناً ظناً منهم أنهم على الحق وأنا على الباطل .
ولما كان رأس مال المسلم{[64526]} الأعظم الاعتراف بالتقصير وإن بلغ النهاية في المجاهدة فإن{[64527]} الإله في غاية العظمة والعبد في نهاية الضعف ، فبلوغه ما يحق له{[64528]} سبحانه لا يمكن بوجه قالوا :{ واغفر لنا } أي استر ما عجزنا فيه وامح عينه وأثره .
ولما طلبوا منه الحياطة من جميع الجوانب ، عللوه زيادة في التضرع والخضوع واستجاز المطلوب مكررين صفة الإحسان زيادة في الترقق والاستعطاف بقولهم : { ربنا } أي المحسن إلينا ، وأكدوا إعلاماً بشدة رغبتهم بحسن الثناء عليه{[64529]} سبحانه واعترافاً {[64530]}بأنهم قد يفعلون{[64531]} ما فيه شيء من تقصير فيكون من مثل أفعال من لا {[64532]}يعرفه سبحانه فقالوا : { إنك أنت } أي وحدك لا غيرك { العزيز } الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء { الحكيم * } الذي يضع الأشياء في أوفق محالها فلا يستطاع{[64533]} نقضها ، ومن كان كذلك فهو حقيق بأن يعطى من أمله فوق ما طلب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.