تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ} (5)

المفردات :

المشارق : مشارق الشمس على امتداد خط المشرق .

التفسير :

5- { رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق } .

من صفة الله أنه رب الكون وخالقه وموجده من العدم ، وهو الذي يحفظه ويمسك بزمامه .

ومعنى الآية : الله الواحد هو رب السماوات وما فيها ، ورب الأرض وما عليها ، من جبال وبحار وأنهار وأشجار وقفار وزراعات ، وسائر ما خلق في الأرض ، وهو سبحانه رب الفضاء والهواء والعوالم العظيمة التي بين السماء والأرض .

قال تعالى : { له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى } . [ طه : 6 ] .

وهو سبحانه وتعالى : { رب المشارق } .

أي : مشارق الشمس ومغاربها ، فلها في كل يوم مشرق معين تشرق منه ، ولها في كل يوم مغرب معين تغرب منه ، واكتفى هنا بذكر المشارق عن المغارب ، لأن أحدهما يغني عن الآخر ولأن الشروق سابق على الغروب .

ونلاحظ أن القرآن الكريم عبّر عن الشروق والغروب أحيانا بالمفرد مثل قوله تعالى : { رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا } . [ المزمل : 9 ] .

وأحيانا بلفظ المثنّى مثل : { رب المشرقين ورب المغربين } . [ الرحمان : 17 ] .

وأحيانا بلفظ الجمع مثل : { ورب المشارق } .

فالمفرد المراد به : الجهة ، جهة الشرق وجهة الغرب ، والمثنى المراد منهما : مشرق الشتاء ومشرق الصيف ، أو مشرق الشمس والقمر ومغربهما ، والمشارق المراد منها : مشارق النجوم والكواكب والشمس ، بل والشموس في أيام السنة ، وهي مشارق متعددة بعدد أيام السنة .

جاء في ظلال القرآن ما يأتي :

قوله : { ورب المشارق } .

أي : ولكل نجم مشرق ، ولكل كوكب مشرق ، فهي مشارق كثيرة في كل جانب من جوانب السماوات الفسيحة . . وللتعبير دلالة أخرى دقيقة في التعبير عن الواقع في هذه الأرض التي نعيش عليها كذلك ، فالأرض في دورتها أمام الشمس تتوالى المشارق على بقاعها المختلفة . كما تتوالى المغارب ، فكلما جاء قطاع منها أمام الشمس كان هناك مشرق على هذا القطاع ، وكان هناك مغرب على القطاع المقابل له في الكرة الأرضية . . وهي حقيقة ما كان يعرفها الناس في زمان نزول القرآن الكريم ، أخبرهم الله تعالى بها في ذلك الزمان القديم . ا ه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ} (5)

ثم تبتدئ " رب السماوات والأرض " على معنى هو رب السموات . النحاس : ويجوز أن يكون " رب السموات والأرض " خبرا بعد خبر ، ويجوز أن يكون بدلا من " واحد " .

قلت : وعلى هذين الوجهين لا يوقف على " لواحد " . وحكى الأخفش : " رب السموات - ورب المشارق " بالنصب على النعت لاسم إن . بين سبحانه معنى وحدانيته وألوهيته وكمال قدرته بأنه " رب السموات والأرض " أي خالقهما ومالكهما " ورب المشارق " أي مالك مطالع الشمس . ابن عباس : للشمس كل يوم مشرق ومغرب ؛ وذلك أن الله تعالى خلق للشمس ثلاثمائة وخمسة وستين كوة في مطلعها ، ومثلها في مغربها على عدد أيام السنة الشمسية ، تطلع في كل يوم في كوة منها ، وتغيب في كوة ، لا تطلع في تلك الكوة إلا في ذلك اليوم من العام المقبل . ولا تطلع إلا وهي كارهة فتقول : رب لا تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك . ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد ، وابن الأنباري في كتاب الرد عن عكرمة . قال : قلت لابن عباس أرأيت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت ( آمن شعره وكفر قلبه ) قال : هو حق فما أنكرتم من ذلك ؟ قلت : أنكرنا قوله :

والشمس تطلع كل آخر ليلة *** حمراءَ يصبح لونها يتورَّدُ

ليست بطالعة لهم في رِسْلِهَا *** إلا مُعَذَّبةً وإلا تُجْلَدِ

ما بال الشمس تجلد ؟ فقال : والذي نفسي بيده ما طلعت شمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك ، فيقولون لها اطلعي اطلعي ، فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله ، فيأتيها ملك فيستقل لضياء بني آدم ، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطل بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها ، فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما طلعت إلا بين قرني شيطان ولا غربت إلا بين قرني شيطان وما غربت قط إلا خرت لله ساجدة فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها ) لفظ ابن الأنباري . وذكر عن عكرمة عن ابن عباس قال : صدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم أمية بن أبي الصلت في هذا الشعر :

زُحَلٌ وثورٌ تحت رجلِ يمينه *** والنَّسر للأخرى وليثٌ مرصَدُ

والشمس تطلع كل آخر ليلة *** حمراءَ يصبح لونُها يتَوَرَّدُ

ليست بطالعة لهم في رِسْلِهَا *** إلا معذَّبةً وإلا تُجْلَدُ

قال عكرمة : فقلت لابن عباس : يا مولاي أتجلد الشمس ؟ فقال : إنما اضطره الروي إلى الجلد لكنها تخاف العقاب . ودل بذكر المطالع على المغارب ؛ فلهذا لم يذكر المغارب ، وهو كقوله : " سرابيل تقيكم الحر " [ النحل : 81 ] . وخص المشارق بالذكر ؛ لأن الشروق قبل الغروب . وقال في سورة [ الرحمن ] " رب المشرقين ورب المغربين " [ الرحمن : 17 ] أراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال ، وأقصر يوم في الأيام القصار على ما تقدم في " يس " {[13239]} والله أعلم .


[13239]:راجع ص 27 وما بعدها من هذا الجزء.