الفوز الكبير : أي الذي تصغر الدنيا بأسرها عنده ، بما فيها من رغائب لا تفنى .
11- إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير .
هذا هو التعقيب على عذاب المؤمنين ، أي : بينما الذين فتنوا المؤمنين وعذبوهم يصطلون بعذاب جهنم وعذاب الحريق ، نجد الذين آمنوا بالله ربا ، وعملوا أعمالا صالحة ، وامتثلوا أوامر ربهم ، وهدى نبيهم ، ونفّذوا أحكام دينهم ، يتمتعون بجنات تجري من تحتها الأنهار ، فيها ألوان النعيم ورضوان من الله أكبر .
ذلك الفوز الكبير . ذلك هو الفوز الأكبر ، والنجاح الأعظم ، والخاتمة الناجحة للمؤمنين .
لقد كانت هناك معركة بين الكفار المعتدين والمؤمنين الذين آمنوا بالله الذي له ملك السماوات والأرض ، وقد حرّق المؤمنون في الأخدود أمام أعين الظالمين ، لكن المعركة لم ننته بعد ، لقد أدخل الكفار عذاب جهنم وعذاب الحريق ، وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار . ذلك الفوز الكبير .
والفوز : النجاة والنجاح ، والنجاة من عذاب الآخرة فوز ، فكيف بالجنات تجري من تحتها الأنهار ، بهذه الخاتمة يستقر الأمر في نصابه ، وهي الخاتمة الحقيقية للموقف ، فلم يكن ما وقع في الأرض إلا طرفا من أطرافه ، لا يتم به تمامه . . . وهذه هي الحقيقة التي يهدف إليها هذا التعقيب الأول على الحادث ، لتستقر في قلوب القلة المؤمنة في مكة ، وفي قلوب كل فئة مؤمنة ، تتعرض للفتنة على مدار القرون . ii .
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } بقلوبهم { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بجوارحهم { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ } الذي حصل به الفوز{[1400]} برضا الله ودار كرامته .
ثم ذكر ما أعد للمؤمنين فقال :{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير } واختلفوا في جواب القسم : فقال بعضهم : جوابه : { قتل أصحاب الأخدود } يعني لقد قتل . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج . وقال مقاتل : جوابه :{ إن بطش ربك لشديد }
ولما ذكر عقاب المعاندين بادئاً به لأن المقام له ، أتبعه ثواب العابدين ، فقال مؤكداً لما لأعدائهم من إنكار ذلك : { إن الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان ولو على أدنى الوجوه من المقذوفين في النار وغيرهم من كل طائفة في كل زمان{[72502]} { وعملوا الصالحات } تصديقاً لإيمانهم وتحقيقاً له . ولما كان الله سبحانه من رحمته قد تغمد أولياءه بعنايته ولم يكلهم إلى أعمالهم لم يجعلها سبب سعادتهم فلم يقرن بالفاء قوله : { لهم } أي جزاء {[72503]}مقاساتهم لنيران{[72504]} الدنيا من نار الأخدود الحسية التي ذكرت ، ومن نيران الغموم والأحزان المعنوية التي يكون المباشر لأسبابها غيره سبحانه فيكون المقاسي لها مع حفظه للدين{[72505]} كالقابض على الجمر { جنّات } أي فضلاً منه { تجري } وقرب منالها بالجار فقال : { من تحتها } أي{[72506]} تحت غرفها وأسرتها وجميع أماكنها { الأنهار } يتلذذون ببردها في نظير ذلك الحر الذي صبروا عليه في الدنيا ويروقهم النظر إليها مع خضرة الجنان والوجوه الحسان الجالبة للسرور الجالية-{[72507]} للأحزان .
ولما ذكر هذا الذي يسر النفوس ويذهب البؤس ، فذلكه-{[72508]} بقوله : { ذلك } أي الأمر العالي الدرجة العظيم البركة{[72509]} { الفوز } أي الظفر بجميع المطالب لا غيره { الكبير * } كبراً لا تفهمون منه أكثر من ذكره بهذا الوصف على سبيل الإجمال ، وذلك أن من كبره أن هذا الوجود كله يصغر عن أصغر شيء منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.