تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (28)

26

المفردات :

كلمة باقية : كلمة التوحيد أو البراءة .

في عقبه : ذريته إلى يوم القيامة .

التفسير :

28- { وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون } .

أي : جعل كلمة التوحيد - وهي ( لا إله إلا الله ) – باقية في ذريته ، متأصلة فيهم ، حتى يرجع إلى التوحيد والإيمان من أشرك منهم .

قال مجاهد :

{ وجعلها كلمة } .

يعني : ( لا إله إلا الله ) لا يزال في ذريته من يقولها إلى يوم الدين .

وقد وصى إبراهيم أبناءه وأحفاده بالتوحيد .

قال تعالى : { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } . ( البقرة : 132 ) .

وظل ميراث التوحيد في ذرية إبراهيم خلفا عن سلف ، وكانت في الجاهلية قبيل الإسلام طائفة من الموحدين ، مثل زيد بن عمرو بن نفيل ، فقد دان بالتوحيد مخالفا قومه ، وفي ذلك يقول :

أربًّا واحدا أم ألف ربّ *** أدين إذا تقسّمت الأمور

تركت اللات والعزى جميعا *** كذلك يفعل الرجل الخبير

ومثل أمية بن أبي الصلت الذي تنسك في الجاهلية ، واجتنب الخمر والفواحش ، وسمع أن نبيا سيظهر ، فأراد أن يكون هو نفسه ذلك النبي ، ومن شعره :

مجّدوا الله وهو للحمد أهل *** ربنا في السماء أمسى كبيرا

وقال أيضا :

الحمد لله ممسانا ومصبحنا بالخير صبحنا ربي ومسانا

وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن كاد أمية ليسلم )3 .

ولما ظهر الإسلام امتنع عن الإيمان حقدا وحسدا على النبي محمد صلى الله عليه وسيلم ، ولذلك قالوا في أمية : آمن لسانه وكفر قلبه ، ومن شعر أمية بن أبي الصلت في التوحيد :

إله العالمين وكل أرض ورب الراسيات من الجبال

بناها وابتنى سبعا شدادا بلا عمد يرين ولا رجال

وسواها وزينها بنور *** من الشمس المضيئة والهلال

ومن شهب تلألأ في دجاها مراميها أشد من النّصال

وشق الأرض فانبجست عيونا *** وأنهارا من العذب الزلال

وبارك في نواحيها وزكى *** بها ما كان من حرث ومال

وكل معمر لابد يوما *** وذي دنيا يصير إلى زوال

وسيق المجرمون وهم عراة *** إلى ذات المقامع والنكال

وحلّ المتقون بدار صدق *** وعيش ناعم تحت الظلال

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (28)

{ وَجَعَلَهَا } أي : هذه الخصلة الحميدة ، التي هي أم الخصال وأساسها ، وهي إخلاص العبادة للّه وحده ، والتبرِّي من عبادة ما سواه .

{ كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } أي : ذريته { لَعَلَّهُمْ } إليها { يَرْجِعُونَ } لشهرتها عنه ، وتوصيته لذريته ، وتوصية بعض بنيه -كإسحاق ويعقوب- لبعض ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } إلى آخر الآيات .

فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الترف والطغيان .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِيَةٗ فِي عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (28)

{ وجعلها كلمة باقية في عقبه } ضمير الفاعل في جعلها يعود على إبراهيم عليه السلام ، وقيل : على الله تعالى ، والأول أظهر ، والضمير يعود على الكلمة التي قالها وهي :

{ إنني براء مما تعبدون } ، ومعناها التوحيد ، ولذلك قيل : يعود على الإسلام لقوله : { هو سماكم المسلمين من قبل } [ الحج : 78 ] ، وقيل : يعود على لا إله إلا الله ، والمعنى متقارب أي : جعل إبراهيم تلك الكلمة ثابتة في ذريته لعل من أشرك منهم يرجع إلى التوحيد ، والعقب هو الولد وولد الولد ما تناسلا أبدا .