تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَلَمَّآ أَنۡ أَرَادَ أَن يَبۡطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوّٞ لَّهُمَا قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ أَتُرِيدُ أَن تَقۡتُلَنِي كَمَا قَتَلۡتَ نَفۡسَۢا بِٱلۡأَمۡسِۖ إِن تُرِيدُ إِلَّآ أَن تَكُونَ جَبَّارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِينَ} (19)

المفردات :

يبطش : البطش الأخذ بالشدة والعنف .

جبارا : الجبار : اسم من أسمائه تعالى ، والجبار : العظيم القويّ ، وكل عات ، ومن يقاتل في غير حق .

التفسير :

19-{ فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين }

رغم حالة موسى النفسية ، وما هو فيه من الخوف والترقب ، إلا أنه لم يشأ أن ينفرد القبطي الظالم ، بالإسرائيلي المظلوم ، وعزم على أن يبطش بالقبطي ويدفعه بقوة وعنف ، فإذا بالإسرائيلي يتوقع الشر من موسى ، ويظن أنه يريد أن يبطش به هو ، بعد أن قال له : { إنك لغوي مبين } فقال الإسرائيلي :

{ يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس . . }

ولم يكن أحد يعرف أن قتيل الأمس قتل على يد موسى ، فلما سمع القبطي ذلك حمل هذه الأخبار إلى فرعون وحاشيته ، فقد كان قتيل الأمس قد قتل في وقت الظهيرة والقيلولة ، أو فيما بين المغرب والعشاء ، ولم يتأكد لدى السلطة من الذي قتل القبطي ، ولكن الإسرائيلي الخائف هو الذي صرح باسم القاتل ، وقال : يا موسى أتريد أن تبطش بي أنا ، فتقتلني بقوتك وجبروتك ، كما قتلت قتيلا بالأمس .

{ إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض . . . }

ما تريد إلا أن تكون باطشا بالناس ، كثير القتل وسفك الدماء ، مفسدا في الأرض .

{ وما تريد أن تكون من المصلحين }

الذي يصلحون بين الناس ، أو يعلمون الناس الدين والسلوك القويم ، وكان موسى مشهورا بدعوته إلى الاستقامة ، والصفح والتعاون ، والنهي عن الحقد والحسد والشر .

والخلاصة : أنت صاحب دعوة إلى التسامح والعفو ، لكني أرى الشر في عينيك ، أتريد قتلى كما قتلت نفسا بالأمس ؟ ما تريد بتصرفك هذا إلا الفساد والعدوان ، وما تريد أن تكون من المتسامحين المصلحين .

رأي لبعض المفسرين

الرأي السابق هو رأي جمهور المفسرين .

وذهب الإمام الرازي في تفسيره الكبير ، والأستاذ سيد قطب في ظلال القرآن ، والدكتور محمد سيد طنطاوي في تفسيره ، والصابوني في صفوة التفاسير وغيرهم ، إلى أن هذا القول :

{ يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } .

كان من كلام القبطي ، واستدلوا على ذلك بالآتي : كان المناخ الذي عاشت فيه مصر ، مناخ ظلم من فرعون وجنوده ، ومناخ استسلام وعدم مقاومة للظلم من بني إسرائيل ، وكان موسى يكره الظلم ويقاومه ، ولعل الإسرائيلي قد تحدث إلى بعض عشيرته من الإسرائيليين بما فعله موسى من قتل القبطي ، ومثال هذه الحادثة من شأنها أن تروج ، وأن تنال الإعجاب من الإسرائيليين ولعل خبرها قد انتقل إلى هذا القبطي ، ولعله أحس من توبيخ موسى للإسرائيلي ، بأن قتيل الأمس كان بسببه ، فقال لموسى مقالته وهو في موقف الخوف من البطش ، ولتذكيره بما يدعو إليه من التسامح والإصلاح ، ثم إن سياق الآية هكذا :

{ فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس . . }

فالسياق يؤيد أن موسى عندما أراد أن يبطش بالقبطي خائفا مسترحما : يا موسى أتريد قتلي كما قتلت نفسا بالأمس ، ما تريد إلا أن تكون مفسدا منتقما في قسوة ، وما تريد آن تكون مصلحا متسامحا ، فأين دعوتك إلى التسامح ، وما اشتهر عنك من الرغبة في الصلاح والتقوى ؟

وسياق الآية محتمل للرأيين ، والله تعالى أعلم .