تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (14)

{ ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين( 14 ) ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين( 15 ) قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ( 16 ) قال رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين( 17 ) فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين( 18 ) فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين( 19 ) } .

المفردات :

أشد : قوته ، ما بين 18-30 سنة ، كما في القاموس ، وقال البيضاوي : هو من 30-40 سنة .

واستوى : واعتدل وبلغ المبلغ الذي لا يزاد عليه ، واستوى الرجل : بلغ أشده ، أو أربعين سنة .

حكما : حكمة .

وعلما : ومعرفة وفهما .

التفسير :

14- { ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين } .

سكت القرآن عن الحلقة التالية لحلقة الرضاعة ، وقد كانت هذه الحلقة في كفالة الفرعون ، وقد يلقب موسى بن فرعون ، لكن آيات القرآن تشير إلى رعاية الله له وإلقاء المحبة عليه ، كما قال تعالى : { وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني } [ طه : 39 ] .

فلا بد أن أمه أخبرته بحقيقة نسبه ، وعشيرته ، والمتوقع أن طبيعة موسى الكريمة تأنف ظلم فرعون وبطشه ، وغشمه ، والمتوقع أن فجوة ما تحدث بين موسى وبين فرعون وحاشيته ، بسبب سلوك موسى الكريم ، الآنف من الظلم .

وتشير الآية إلى أن موسى قد بلغ مبلغ الرجال ، { واستوى } بلغ غاية الكمال الجسمي والعقلي .

قال بعض المفسرين : بلغ أربعين سنة ، وقال بعضهم : ثلاثين سنة ، ونختار أن تكون سنه في ذلك الوقت مقاربة للثلاثين ، لأنه مكث في أرض مدين عشر سنين ثم عاد إلى مصر ، فاختاره الله رسولا .

{ آتيناه حكما وعلما . . }

أي : سيرة الحكماء والعلماء وأخلاقهم وسمتهم قبل البعثة .

{ وكذلك نجزي المحسنين }

أي : وبمثل هذا الفضل والرعاية ، والمعونة والخير ، نجزي كل محسن في عمله ، بأن نفتح له أبواب الفتوح والحكمة والعلم .

ونلاحظ أن هذه الآية من المتشابه ، حيث قال تعالى في سورة يوسف : { ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين } [ يوسف : 22 ] .

ونلمح أن يوسف هنا بلغ مبلغ الرجال ، أي : فيما بين العشرين والثلاثين فهو أقرب إلى سن الخامسة والعشرين .

وفي سورة القصص قال تعالى : { ولما بلغ أشده ، واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين } .

فهذه الآية زادت كلمة : واستوت ، أي : اكتمل جسمه وعقله ورشده ، فهو أقرب إلى سن الثلاثين ، وقد تعددت آراء العلماء في بلوغ الأشد والاستواء .

عن ابن عباس : الأشد ما بين الثامنة عشرة والثلاثين ، والاستواء ما بين الثلاثين والأربعين .

وقال مجاهد : الأشد في الثلاثين ، والاستواء في الأربعين .

وقال الزجاج : الأشد ما بين الثلاثين والأربعين .

والمحققون يقولون :

بلوغ الأشد في الأصل الانتهاء إلى حد القوة وذلك وقت تمام النمو وغايته ، والاستواء تمام العقل وكماله ونضجه ، وذلك يختلف باختلاف الأقاليم والعصور والأحوال ، ولذا وقع له تفاسير كثيرة في كتب اللغة والتفسير .